هل تساءلت يوماً لماذا يحدث التغيير؟ ففجأة نجد إنتشاراً كبيراً لمنتج أو فكرة أوكتاب، هناك موضات تصبح رائجة بسرعة، أو حتى فيديو على وسائل التواصل الإجتماعى يحصل على الملايين من المشاهدات، لا يشترط وقتها عمق الفكرة او فائدتها أو جدواها لكنها فى النهاية تنتشر فما التفسير لذلك؟
التفسير ناقشة الكاتب الكندى مالكوم جلادويل، فى كتابه “نقطة التحول” أو كيف يمكن للأشياء الصغيرة أن تحدث تغييراً كبيراً، وفى سياق الكتاب قام بمناقشة ما أسماه قوانين التغيير والتى لخصها فى فى ثلاث مبادىء، اولها العدوى، ثانيها ان الاشياء الصغيرة تحدث تغييراً كبيراً وثالثها ان التغيير لايحدث تدريجياً وانما فى لحظة حاسمة واحدة، وقد نشأ عن هذه المبادىء عدة قوانين تساعد على إحداث التغيير، وهى قانون الأقلية ثم قانون عامل الإلتصاق يليهم قانون قوة السياق، ولكن قبل مناقشة هذه القوانين دعونا نسرد قصة ذكرها مالكوم جلادويل فى كتابه ستساعدنا على فهم هذه القوانين.
يذكر جلادويل فى مقدمة كتابه الآتى :” حدثت نقطة التحول بالنسبة إلى أحذية hush puppies الأحذية الكلاسيكية المصنوعة من الجلد السويدى مع نعل من الكريب الخفيف الوزن فى وقت ما بين أواخر 1994 وبداية 1995، وقد كانت الماركة تشهد ركوداً حتى تلك المرحلة، كانت المبيعات منخفضة بالفعل، حتى بلغت 30 الف زوج سنوياً، وقد كانت محصورة فى محلات المناطق النائية، والمتاجر العائلية فى القرى الصغيرة، وكانت “ولفرين ” الشركة التى تصنع تلك الاحذية تفكر فى التوقف عن تصنيع الأحذية التى اكسبتها شهرتها، إلى أن حدث شيئاً غريباً، فلقد صار الحذاء منتشراً فى النوادي والحانات فى قلب مانهاتن، وصارت هناك محلات لبيع المنتجات المستعملة تبيع حذاء hush puppies، وفجأة أصبحت الأحذية موجة رائجة.
وفى خريف 1995 إتصل المصمم جون بارليت الذي أراد استعمال أحذية hush puppies فى مجموعته الخاصة بالربيع، ثم اتصلت مصممة أزياء اخرى من مانهاتن وارادت أيضاً الأحذية لعرضها، وفى لوس انجلوس وضع المصمم جويل فيتزالد علامة ماركة hush puppies على سطح متجره فى هوليوود، فى تلك الاثناء اشترى الممثل بى وى هيرمان زوجاً من الاحذية وبسرعة انتقل الخبر.
عام 1995 باعت الشركة 430 الف زوج من الأحذية وفى السنة الثالثة باعت أربعة اضعاف ذلك.. كيف حدث ذلك؟ هذا مايفسره جلادويل من خلال قوانينه.
القانون الاول:- قانون الأقلية
وهذا القانون يذكر أن انتشار أى فكرة أو موضة أو حتى وباء يعتمد على مجموعة صغيرة من الناس، تسمى بالأقلية، هذه الأقلية هي من كبار المهتمين والمتخصصين في المجال والذين يعملون على الفكرة التي ترغب في توصيلها، وبدلاً من محاولة توصيل الفكرة لكل الناس يمكن بسهولة توصيلها عن طريق هذه الأقلية المهتمة أو المتخصصة، وتنقسم هذه الأقلية إلى ثلاثة أقسام،
- الموصلون:- وهم الأشخاص أصحاب المهارة في العلاقات الأجتماعية والمشاهير وهم لهم القدرة على توصيل الفكرة لمجموعة أكبر بسهولة.
- أصحاب الخبرة:-وهم أفضل من في المجال الخاص بالفكرة بمعلوماتهم وعلمهم وقدرتهم على تجميع الأفكار وتوصيلها للناس.
- البائعون :- المسوقون ومندوبوا المبيعات القادرين على بيع فكرتك أو منتج بإستخدام خبراتهم ومهاراتهم في البيع والتسويق.
تستطيع هذه الأقلية توصيل الأفكار باستخدام مبدأ ال20 80، أى أن 20% من الأشخاص يستطيعوا ان ينشروا 80% من الأفكار، ولكن يشترط فى هؤلاء الأشخاص السرعة والعمل بذكاء.
ولذلك يعتمد نجاح أي نوع من الأنشطة أو الأوبئة الإجتماعية على انخراط أشخاص لديهم مجموعة نادرة من المواهب الإجتماعية ومن ثم يبدأوا بنشر الفكرة أو الموضة بين المجموعات الأكبر.
القانون الثانى:- عامل الإلتصاق
يشير هذا القانون أنه مهما كانت قوة الفكرة فإن طريقة عرضها هى التى ستتحكم فى انتشارها من عدمه.
أو بمعنى اصح ليس المهم ماتقوله، لكن المهم كيف تقوله، فإن قمت بعرض فكرتك بطريقة منفرة لاتحفز الناس على معرفة المزيد عنها فستنهتى، أما اذا قمت بعرض فكرتك بطريقة شيقة ستجعل الناس تنجذب اليها وبالتالى سيبدأوا فى نشرها بين اوساطهم، وهذا المبدأ الذى تقوم عليه معظم إعلانات الدعاية، حيث لم تعد تلجأ إلى نشر معلومات عن المنتجات بقدر ما أصبحت تقوم بنشر قصص دعائية وأفكار حولها تساعد على إنشاء تأثير عاطفي بينها وبين المستهلكين وبالتالى يكونوا هم العامل الموصل لأنتشارها.
وبالتالى صار التحدي الأكبر لأصحاب الأفكار أو المنتجات هو أن يجدوا الطريقة المناسبة للإعلان عن افكارهم أو منتجاتهم وتوصيل رسائلهم إلى أكبر قدر من الناس.
ثالثاً:- قانون قوة السياق
وفيه يشرح مالكوم جلادويل نظرية ارتباط الفكرة بالبيئة، أنه عند نشرك لفكرة أو منتج لا بد أن تدرس جيداً البيئة التى تقدم فيها أفكارك، مثلاً إذا كان لديك منتج ترفيهى، فانت هنا لن تخاطب مكان أو مدينة بها اكبر قدر من الفقراء ومحدودى الدخل، لكنك لا بد أن تختار مكان به العدد الأكبر من الأغنياء الذين سيتحدثون عن منتجك ومن ثم يوصلونه وينشرونه.
نظرية النوافذ المكسورة
وهي نظرية في علم الجريمة والادارة لإظهار أن الفوضى الكبيرة تبدأ بأحداث صغيرة في البداية وأن تدارك الأخطاء الصغيرة من البداية يمنع حدوث الفوضى حيث أن ظهور نافذة مكسورة في الشارع وعدم أصلاحها يوحي للناس أن لا أحد يهتم، وأنه لا يوجد من يهتم في المدينة، وتبدأ نوافذ أخرى في التحطم حتى تعم الفوضى كل أنحاء المدينة.
نستفيد من هذه النظرية أن حل المشكلات من البداية وهي صغيرة يمنع، خروجها عن السيطرة وتطورها ويخفف من حدة تأثيرها، وبالطبع ترك أي مشكلة صغيرة مهما كان صغرها يؤدي لتفاقمها. مجرد إصلاح النوافذ المكسورة في مدينة نيويورك حلوها من مدينة تعمها الجريمة والفوضى لميدنة آمنة. وفي العلاقات حل المشكلات الصغيرة من بدايتها يحفظ العلاقات ويحد من المشاكل، وفي المشاريع وفي كل شيء يمكنك تطبيق هذه النظرية.
كان هذا عرضاً سريعاً للأفكار التى عرضها جلادويل فى كتابه، وهذه الأفكار تعتبر مرجعاً مهماً للعاملين فى مجالات الدعاية والتسويق، وللمزيد من الفهم سنقوم بعرض القوانين بشكل مفصل على مدار المقالات القادمة فتابعونا.