crossorigin="anonymous">

لماذا لا يقرأ العرب

إذا قمنا بالإطلاع السريع علي الإحصاءات الخاصة  بمعدلات القراءة في الوطن العربي فإنها سوف تعطينا صورة عاكسة لما نواجهه من إضمحلال ثقافي وفكري هذه الأيام في مجتمعاتنا العربية بشكل عام، خاصة إذا ما قارنا تلك المعدلات بمثيلتها في المناطق الأخري كأوروبا وأمريكا .

في دراسة قامت بها لجنة تتابع شؤون النشر تابعة للمجلس الأعلي للثقافة المصري توصلت إلي أن متوسط معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز  ربع صفحة للفرد  العربي في السنة، ويعتبر هذا المعدل  الذي توصلت له الدراسة السابقة منخفضاً ومتراجعاً عن السنوات السابقة ، فنجد إنه في عام 2003 وبناء علي  تقرير التنمية البشرية الذي أصدرته  هيئة اليونسكو العالمية  كان كل 80 مواطن  عربي يقرأ كتاباً واحداً فقط  في السنة ، بينما كان المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتاباً في السنة، والمواطن الإسرائيلي يقرأ 40 كتاباً في السنة ، ورغم الفارق الكبير في نصيب القراءة للمواطن العربي مقارنة  بالمواطن الأوروبي، إلا أن هذا الفارق يعتبر أفضل من  نظيره في الوقت الحالي، حيث تراجع  معدل قراءة المواطن العربي إلى ربع صفحة فقط سنويا ، وهو معدل أقل ما يقال عنه إنه يمثل مدي الكارثة علي التي حلت بالثقافة العربية خصوصا وعلي أذواق الشعوب العربية عموما.

كم ساعة نقرأ ؟

في عام  2011 أصدرت مؤسسة الفكر العربي تقريرا يفيد بأن المواطن العربي يقرأ حوالي 6 دقائق في السنة، أما المواطن الأوروبي فيقرأ حوالي 200 دقيقة  في السنة , وهذا التقرير يوضح لنا عمق الفجوة الثقافية بين شعوبنا العربية والشعوب الأوروبية .

ورغم  وجود اختلافات في الارقام الخاصة بمعدل القراءة في الوطن العربي والتي خلصت إليها كل دراسة أو إحصائية تمت بهذا الشأن  وذلك لإختلاف الادوات المستخدمة في البحث والتحليل.إلا أنها في الأخير  تصل إلى نفس النتيجة ، وهي  وجود فجوة  كبيرة   بين ما يقضيه المواطن العربي في القراءة وما يقضيه المواطن الغربي في القراءة ، فسواء كانت النتيجة تتحدث بالدقيقة أو بالصفحة أو حتي  بالكتاب، فكلها تؤدي إلى إثبات  نتيجة واحدة وهي  التراجع الملحوظ في الثقافة العربية  أمام الثقافة الأوروبية في وقتنا الحاضر.

وفي دراسة  خاصة بقراءة الصحف والمجلات في وطننا العربي أجرتها شركة سينوفات المتعددة الجنسيات لأبحاث السوق، عام 2008 جاء  فيها أن المصريين والمغاربة يقضون 40 دقيقة يومياً في قراءة الصحف والمجلات، مقابل 35 دقيقة في تونس، و34 دقيقة في السعودية، و31 دقيقة في لبنان، وهنا نجد  تفوقاً نوعاً ما في مجال قراءة الصحف والمجلات بالنسبة للمواطن العربي. وأما عن قراءة الكتب في الدول العربية  الكتب فأشارت دراسة شركة سينوفات ، إلى أن في لبنان  يقرأ المواطن  588 دقيقة في الشهر، وفي مصر 540 دقيقة، وفي المغرب 506 دقائق، وفي السعودية 378 دقيقة.

ربما تجد  أن هذه الأرقام  التي أتت بها دراسة شركة سينوفات تعكس واقعاً إيجابياً أكثر من الأرقام السابقة التي كانت محبطة بشكل كبير ، ولكن  لك أن تعرف ان هذا الاختلاف ناتج من كون الأرقام الأخيرة تشمل قراءة القرآن الكريم ضمن تحليلها ,ولكن الإحصائيات السابقة فكانت لا تدخل في تحليلها سوي الكتب الثقافية فقط ولا تحسب قراءة الصحف والمجلات , وكذلك الكتب الدراسية وملفات العمل والتقارير , وكتب التسلية ولا الكتب الدينية مثل القرأن الكريم ضمن تحليلها وهو ما خلق ذلك التفاوت بين الأرقام الناتجة عن كل دراسة منهم .

إنتاج الكتب

في عام 1991 أنتجت الدول العربية 6500 كتاب , بينما في أمريكا الشمالية تم إنتاج 102000كتاب، وفي أمريكا الجنوبية ودول الكاريبي تم إنتاج 42000 كتاب. وأشار تقرير التنمية الثقافية الصادر عن منظمة اليونسكو أن عدد الكتب الذي يتم نشرها في الوطن العربي في مجال الثقافة العامة لا يتعدي 5000 كتاب سنويا، بينما تنشر أمريكا في نفس المجال حوالي 300000 كتاب .

نوعية القراءة في الوطن العربي

هناك دراسات وإستطلاعات  عديدة قامت بها بعض الصحف والجهات المهتمة بالثقافة والقراءة علي مستوي الشباب العربي حول أي كتب تجذب الشباب أكثر من غيرها , أفادت أن الشباب في السنوات الأخيرة يتجه بذوقه إلي الروايات عموما سواء العربية أو المترجمة , فهناك نشاط ملحوظ خلال السنوات السابقة في طباعة وترجمة الروايات الرعبية والأجنبية نظرا للإقبال الشديد عليها خصوصا من فئة الشباب , ونجد أن بعض الشباب يقبل بعض الشيء علي الكتب التاريخية والسياسية , وهناك بعض المهتمين بمجال التنمية البشرية ويقرأون فيه بشكل كبير .

أسباب أزمة القراءة في الوطن العربي

سواء كنت تتفق مع الدراسات السابقة أم تشكك فيها وفي مصداقيتها أو دقتها فلابد وأن نعترف جميعا أننا نواجه في وطننا العربي أزمة بخصوص ضعف معدلات القراءة بين شعوبنا العربية، ولا نستطيع نكران تلك الأزمة أو غض الطرف عنها إذا كنا حقيقة نريد الخير لهذه الأمة من جديد .

ولعل  أقوي أسباب عدم انتشار القراءة في وطننا العربي علي الإطلاق

  •  هو إرتفاع نسبة  الأمية بشكل مفزع  بين أفراد الشعوب العربية وبين فئات المرأة بشكل خاص.
  •  وتأتي صعوبة الأوضاع الإقتصادية في أغلب بلداننا العربية والبحث والسعي وراء لقمة العيش طوال النهار والليل في المرتبة الأولي التي جعلت القراءة  في ذيل إهتمامات المواطن العربي والذي أعتبرها نوعا من الرفاهية لا يستحقه في ظل ظروفه الإقتصادية الصعبة والتي تمنعه عن أي شيء أخر سوي السعي وراء الرزق  .
  • وإذا جئنا للحديث عن التعليم في بلداننا العربية ففي أغلب البلدان العربية لا تشجع المناهج الدراسية علي القراءة والبحث عن المعلومة والتأكد منها , ولكن التركيز الأكبر يكن علي حفظ المناهج للحصول علي أعلي الدرجات فقط  .

والحل ….

ومن وجهة نظري أن لحل تلك الأزمة في القراءة علي مستوي وطننا العربي  يجب علي المؤسسات المعنية بالثقافة

  • تشجيع المواطنين علي البدء في ممارسة القراءة من خلال بث البرامج الهادفة في وسائل الأعلام المختلفة   والتي تتحدث عن ميزة القراءة وتنمية الثقافة لدي الفرد،
  • وعمل المبادرات والمسابقات الثقافية وإعطاءها مزيدا من الإهتمام والدعم.
  • يجب علي المسئوليين  تطوير مناهجنا التعليمية بشكل يزرع بأطفالنا حب الإطلاع والبحث عن المعلومات وليس حفظ ما جاءت به الكتب الدراسية فقط،
  • يجب أن تقدم الدول الدعم الكافي للناشرين والمؤلفين أصحاب الرؤية الهادفة ومساعدتهم علي خروج أعمالهم إلي النور وذلك لزيادة المنتج العربي من الكتب المفيدة وإتاحة الفرص لأصحاب المواهب الحقيقية  ورعايتهم بشكل كامل حتي يتفرغوا لتقديم إبداعاتهم دون ضغوط نفسية ومالية يقع فيها كل كاتب وصاحب فكر في هذه الفترة الصعبة.
  • أما الأسرة العربية  فيقع علي عاتقها مهمة أكبر، فهي عليها مهمة تشجيع أطفالها علي القراءة منذ الصغر وتنمية تلك الهواية بداخلهم بالتدريج، وجعل القراءة شيئا أساسيا في روتين يومهم الطبيعي ….وبهذا نضمن نشأة جيل جديد يحب القراءة ويقدر قيمتها  ويساعد بثقافته وعلمه  في تغيير واقعنا العربي الصعب الذي نواجهه منذ أجيال متلاحقة.

 

 

 

اترك تعليق

!-- Google Tag Manager (noscript) -->