ونحن صغار كنا نبكى لإنكسار لعبة أو لعدم الحصول على قطعة من الشيكولاته، وحين كبرنا لم نعد نبكى لهذه الأسباب، ليس لأننا نكره اللعب او الشيكولاته ولكن لأننا تغيرنا، وهذه هى الحياة تجعلنا دائماً فى حالة تغيُّر، كل دقيقة وكل ثانية تبدل فيك شيئاً وعليك تقبل ذلك.
تقول الحكمة ” إنك لا تنزل النهر مرتين” وذلك لأن النهر يتجدد بإستمرار ولو توقف لتحول إلى مستنقع راكد.
ويقول الكاتب ديستوفيسكى ” الإنسان يستطيع ان يتعود على أى شىء” وهذا أكده الطبيب النفسى هكتور فرانكل فى كتابه البحث عن معنى، ففيه يحكى عن تجربته فى المعتقل إبان الحرب العالمية الثانية وكيف أن الكثير من المعتقلين تعودوا على أشياء لم يفكروا يوماً انهم سيتأقلمون معها ابداً.
إن الإنسان كائن مُتغير. كل شىء حوله وداخله يتتابع ويستمر ويتحول إلى صور اخرى، كان طفلاً فمراهقاً فشاباً فرجلاً فعجوزاً، تمر الحياة يدخل إلى عالمنا بشر ويخرج منه آخرون، نقابل ونفترق نفشل وننجح نسافر ونستقر نحب ونكره، دائرة عجيبة رُبطنا بها من يوم خلقنا، وتكمن أكبر مشكلة فى هذا النظام هى محاولتنا مقاومته، ورفضنا إلى أى تغيير يحدث، وتوقعنا أن اى خطة إخفاق هى نهاية العالم، وأن اى خطوة جديدة حتى لو كانت إيجابية سترتد علينا بالسلب. لهذا دعونا نتعمق أكثر فى الدائرة ونتعرض لأشكال التغيير الذى نتعرض له كبشر ونحاول فهمه والتعامل معه وتحويله إلى شىء إيجابى فى صالحنا. سنعرض منها الآتى:
اشكال التغيير التي نتعرض له فى حياتنا
تغيير الأفكار
وهو من أصعب أنواع التغيير التي يمر بها الإنسان، فهو يحاول دائماً أن يصل إلى نتيجة معينة خلال بحثه فى وأحياناً يصطدم بالشيء الذي يغير أفكاره تماماً وهنا يبدأ الخوف، هل أخذ اتجاه آخر يستلزم المجهود الذي سيبذله؟ أم أن إتخاذه الطريق الذى إعتاده أسهل؟ لكن هذا يعتمد على قدرة الشخص وانفتاحيته على الأفكار الأخرى بشكل واسع دون تقييد. فقد يؤيد الناس فكرة أن المال هو سبب السعادة ويظلوا يسعوا لذلك طوال العمر، ولكن إكتشاف النقطة الجوهرية وهى أن السعادة قد يكون لها مدلول أخر وطريق أخر يستلزم تغيير فى الطرق التي إعتادها الأفكار والجماعات فى سيرهم فى الحياة. ويلخص بيرنارد شو تلك الفكرة قائلاً “ان الذين لايستطيعون تغيير أفكارهم لايستطيعون تغيير أى شىء”.
تغيير المشاعر
إن دخول شخص في حياتك ومشاركته لك في كل تفصيلة بالتأكيد يحدث تغييراً كبيراً والأقسى هو خروج نفس هذا الشخص، وفي تلك الحالة يمر الإنسان بفترة يقاوم فيها تقبل فكرة انهيار العلاقة وانتهائها فهو لايقبل أبداً أن يعود إلى حيث ما كان، لكن الحقيقي فعلاً أن الأمور لا تعود إلى السابق بل تتغير، وهذه هى طريقة التأقلم مع الفَقد، إن تحول مشاعرك إلى محاور إنسانية أكبر، الأهل والأصدقاء المجتمع، كلها أشياء لا تكون بمثابة التعويض بل المحفز الأكبر لتجاوز تلك التجربة، وفى النهاية، الوقت سيمنحك الفرصة للإنتقال. لكن عليك ألا تبقى عالقاً في أثر تلك التجربة. لذا فإن اندماجك في معتركات أخرى في الحياة يبقى هو سبيلك للتأقلم وتجاوز تجارب تغير المشاعر، كلما زادت فترة بقاءك في مكانك تزدام صعوبة خروجك حتى يصبح الخروج صعباً للغاية.
الأوضاع الجديدة
إنها مأساة البشر، فمثلاً إعتاد الناس سماع نوع معين من الموسيقى وحين حدث تطور وتغير رفضوه بسرعه واتهموه بالسقوط ولكن مع الوقت استطاع الجديد أن يفرض ذاته، ببساطة انك لاتستطيع ان تقود العجلة إلى الوراء، لذا فان الحياة حين تهبك شىء لابد ان تعرف انها افقدتك آخر، وقبولك لمعنى التغيير فى الحياة هو ان تتقبل كل ما تواجهه فى مسارها سيئاً كان أو جميلاً، والناس الذين لايسمحون لأنفسهم بارتكاب الأخطاء لن يتقبلوا أى جديد يدخل الى حياتهم، ولن تستطيع التكيف مع كل مراحل الحياة.
ويساعد الإنسان على تحويل الأضاع الجديدة مهما كانت جيدة أو سيئة إلى نجاح بعض العوامل نذكر منها:-
- إستمع الى مصدرك الروحي. أياًكان نوعه، هل تجده فى صديق فى كتاب او رياضة او مع الله، واطلب المساعده ستجدها.
- فكر خارج ذاتك، تساءل كيف تؤثر حياتك على الأخرين حولك من دائرة الأهل والأصدقاء والمجتمع حولك، وتأكد أنك لو اتخذت قرارات مفيدة للجميع فانك فى الأساس تقدم الفائدة لنفسك.
- كن صبوراً، فلا بديل عن تحويل أي مسار جديد تمر به إلى خطوة ناجحة إلا بالصبر .
ودعنا هنا نقدم لك قصة وتجربة تحكيها لنا ليزابيث ساندروس، وهى مدربة تنمية وفى الآتي تحكي قصتها مع التغيير فى حياتها، وتقول ” فى أقل من الثانية تعرضت لحادث فجائي، وبعدها أدركت اني فقدت الكثير من بصرى، وكان التأقلم مع وضعي الجديد والإعاقة التي مررت بها هى وسيلتى للتعمق أكثر في الحياة، ومعرفة دروس لم أكن أستطيع تعلمها لولا هذه التجربة، العديد من التحديدات التى واجهتها لانجو وقد فعلتها”.
وتعطى ساندروس بعض الدروس التى واجهتها للتاقلم ولتحويل التغيير الذى طرأ بها الى طاقة ايجابية ومنها:-
لاتقلق من عواطفك وقت التغيير
من المنطقي أن تشعر بالإنزعاج ومشاعر الحزن والألم والغضب أحياناً بسبب ما حدث لك، ثم بعدها تنتقل عليك أن تتحرك وتعود لحياتك، ويبقى الأمل بالتأقلم مع ما حل بك وهو طريقك لإيجاد المساعدة التي ستستبدل حياتك.
انت لست وحدك
الكثير حين يتعرض لشيء مؤسف يظن انه صار وحيداً وانه لن يجد من يقدم له يد المساعدة، ولكن العكس انك لا تسير وحدك فى الحياة لديك عائلة واصدقاء والإعتماد عليهم ليس عيباً فالله خلقنا بشراً لنكمل بعضنا البعض.
وتقول ساندروس “اعلم أنك تستطيع أن تتأقلم مع أي شيء واطلب مساعدة الأخرين وتمتع بالأمل في المستقبل” .
في النهاية .. الحياة لن تخلو من التغيرات والإنعطافات والإبتلاءات ويبقى التحدي الأكبر لك أن تتتغير فتتقبل فتتأقلم لتحيش حياتك كما ينبغي لها بعيداُ عن الرتابة والملل في منطقة راحتك، وبعيداً عن التفكير كضحية، بنظرة جديدة وطريقة مختلفة وحماس لاختبار سعادة لن يختبرها سوالك.