الإسكندر الاكبر، إذا كنت قارئاً عابراً للتاريخ أول ماسيأتى فى مخيلتك عند سماع إسم الإسكندر هو ذلك الرجل ذو النظرة الحالمة البعيدة، صاحب إمبراطورية من أكبر إمبراطوريات العالم القديم، الرجل الذى حلم بعالم واحد يمتد من الشرق إلى الغرب تتنوع فيه الثقافات وتندمج، وفى مصر تتخيله المخلص من الإحتلال الفارسى والذى بنى أجمل مدنها الإسكندرية.
من حقك أن تدين بكل ذلك للإسكندر، لكن للرجل تفاصيل إنسانية ودرامية قد تجعلك تفهمه أكثر من مجرد قائد او حالم أو محارب، لكنه رجل إعتبر نفسه اله وفى سبيل ذلك بذل الغالى والنفيس ولم يهتم بما يخسره وهذا شأن القادة دائماً. لذا دعونا نسرد بعض تفاصيل نشأته وحروبه لعلها تقربنا من هذه الشخصية وتدخلنا فى عمقها أكثر.
ميلاد الاسكندر المقدوني
ولد الإسكندر فى ميدنة بيلا عاصمة مملكة مقدونيا عام 356 قبل الميلاد،والده هو الملك فيليب المقدونى الذى إستطاع إخضاع مملكة اليونان له، وكان من أبرز الملوك وأقواهم وقائداً عسكرياً معروف بالدهاء ولقد كان الإسكندر يوضع دائماً فى وضع المقارنة مع بطولات أبيه لذا كان ساعياً طوال الوقت لكى يفوقه ويخلد أسمه كقائد عظيم وليس كإبن له. اما أمه فهى أوليمبياس ابنة نيو بطليموس، الزوجة الرابعة للملك فيليب المقدونى.
وقد تتلمذ الأسكندر حتى سن السادسة عشر على يد الفيلسوف أرسطو، الذى يطلق عليه المعلم الأول وقد كانت لأفكاره أكبر الأثر فى شخصية الإسكندر.
من هو فيليب المقدونى؟
ربما أكثر ما أثر فى شخصية الإسكندر هى التحولات فى علاقته بأبيه، فقد كان الإسكندر هو الوريث لعرش أبيه، وقد إهتم فيليب بتنشئته تنشئة عسكرية قوية، ولكن فى سن الثالثة عشر تزوج فيليب المقدونى من إمرأة اخرى غير والدة الإسكندر، وقد أنجبت له ولداً اخر فصار تهديداً للإسكندر على وراثة عرش أبيه، ومن بعدها إحتدم الخلاف بينهما إلى حد وصل الى إرسال الإسكندر إلى المنفى، وبعد إعلان الصلح بينهما وعودة الإسكندر الى مقدونيا تم اغتيال الملك فيليب اثناء حفل زفاف ابنته، وقد اشارت ايدى الاتهام الى زوجته السابقة اوليمبياس.
أوليمبياس ابنة بطليموس أم الإسكندر وتأثيرها على الاسكندر المقدوني
إمراة فى غاية الذكاء شغوفة ومسيطرة ولاينكر أحد دهائها، ليست مقدونية الأصل لكن فيليب وقع فى غرامها، نشرت اوليمبياس إشاعة مفادها ان الإله زيوس كبير الألهة تجسد لها فى شكل أفعى وتزوجها قبل فيليب، وان الإسكندر ليس إبناً لفيليب بل ليس بشرياً أيضاً بل هو إبن الإله، وقد كان لهذه القصة أثراً كبيراً فى الإسكندر فلقد ظل حياته واثقاً من أنه ابن اله، وهذا جعل من شخصيته جامحة ذات طموح لايتوقف، وكان حلمه لحكم العالم اجمع اثبات لذلك. لذا فكان من المنطقى بعد قتل فيليب ان يتم الاشارة الى اوليمبياس تلك المراى التى لن تقبل منافس لها.
تأثر الاسكندر المقدوني بأخيل بطل طروادة
لم تكن قصة ميلاد الإسكندر كابن للاله زيوس هى الملهمة لشخصيته الحربية والعسكرية، بل كان بطله هو أخيل بطل طروادة، صاحب الملحمة الأسطورية والبطل الذى لايقهر، والذى خير بين أن يعيش حياة طويلة وهادئة أو أن يعيش حياة قصيرة لكن يتوج بمجد المعارك والإنتصار فأختار المجد، لذا كان من أحلام الإسكندر منافسة أخيل على المجد الذى وصل إليه.
حصان الإسكندر الاكبر
فى سن العاشرة اهدى حصان إلى أبيه فيليب، لكن الملك وكل من حاولوا امتطاء هذا الفرس سقطوا من عليه. كان حصاناً غاضباً جامحاً من الصعب ترويضه او السيطرة عليه، لذا امر الملك بقتله، لكن الإسكندر طلب من والده فرصة ركوب هذا الحصان، وقال أن الفرس خائف من ظله وهذا هو ماجعله غاضباً ويسقط كل من حاول ركوبه، ونجح الإسكندر فى المهمة، ويذكر المؤرخ بلوتارخ ان الملك فيليب بكى حين ذلك وقال ” يابنى عليك أن تجد ملكاً يسع طموحك، فمقدونيا صغيرة علي” وقد نفذ الإسكندر الوصية، وقد ظل معه حصانه الى وقت حروبه فى الهند ومات هناك فسمى مدينة باسمه وكانت ” بوسيفالوس”.
زيارته لمصر ومعبد آمون رع بواحة سيوة
لعل الجانب الأهم فى علاقة الإسكندر بمصر هو بناءه لمدينة الإسكندرية التى تحمل إسمه ومن ثم جعلها أهم ميناء فى عهد خلفائه، لكن الجانب الأغرب والذى من المؤكد انه يحمل العديد من الأسرار هو زيارة الإسكندر لمعبد الإله آمون رع فى واحة سيوة، فالمعروف ان حلم الألوهية والخلود يراود الإسكندر منذ ميلاده، لكن فى بلاد اليونان لا يعتبر الناس الملوك آلهه، بل هم بشر فانون، لذا أن يجد الإسكندر مايبحث عنه فى دولة تحمل معتقداتها ربط دائم بين الأله والملك يفسرلنا أهمية هذه الزيارة، فمن هناك يدخل الملك الى قدس أقداس معبد الإله آمون رع ويتحدث مع الكهنة دون سماع أحد ويخرج بنفسه ليعلن لهم ان الكهنة اخبروه انه ابن الإله آمون رع.
ليس هذا فقط، فالإسكندر حياته مفعمة بالاحداث والتناقضات والأحلام التى لاحد لها، أحلام تصل به لعبور قارات دون حساب الخسائر التى يتعرض لها جنوده فى الطريق، حتى بعد موت الإسكندر ظل البحث عن جثمانه حلم يرواد خيال الجميع، كل التفاصيل تضعنا أمام شخص أكبر من فكرة الحرب أو القيادة أو النصر، بل تضعنا أمام أسطورة منحنا أياها العالم القديم ولم تزل بعد لم تكشف لنا عن كل أسرارها.