عندما نفكر في الصحة النفسية، غالبًا ما نتخيل اضطرابات شائعة مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط. ولكن هل تعلم أن هناك بعض الاضطرابات النفسية النادرة التي تبدو غريبة لدرجة أنها قد تبدو وكأنها مأخوذة من فيلم خيال علمي؟ استعد للقراءة، لأننا على وشك الانطلاق في رحلة إلى عالم غريب ورائع حيث تأخذ العقول مسارات غير تقليدية.
1. متلازمة وهم كابجراس: سوء التعرف الوهمي
تخيل للحظة أنك تجلس مع صديقك المقرّب في المقهى، تتحدثان عن آخر المستجدات في حياتكما، وفجأة، يخطر ببالك شعور غريب: “هل هذا هو حقًا؟”. تراقب ملامح وجهه بعناية، تحلل كل حركة من حركاته، لتكتشف أن شيئًا ما يبدو مختلفًا. قد تظن أن هذه مشاعر تشكك عابرة، ولكن ماذا لو كانت الحقيقة أكثر غرابة؟ ماذا لو كنت تعتقد، عن يقين، أن هذا الشخص الذي أمامك ليس هو فعلاً؟ بل هو شخص آخر، شخص غريب يحاول تقمص شخصية صديقك. تبدأ في التفكير: “هل هو محتال؟ هل يختبئ وراء هذه الملامح المتشابهة؟”. يبدو الأمر وكأنه حبكة لفيلم إثارة أو قصة غامضة، أليس كذلك؟
لكن بالنسبة لأولئك الذين يعانون من متلازمة كابجراس، هذه ليست مجرد فكرة تمر بخيالهم، بل هي تجربة حية ومؤلمة يعيشونها كل يوم. هؤلاء الأفراد يعتقدون أن أحبّاءهم، سواء كانوا زوجاتهم أو أطفالهم أو أصدقائهم المقربين، قد تم استبدالهم بنسخ متطابقة، لكنهم في الحقيقة ليسوا هم. قد يبدو الشخص الذي أمامهم مألوفًا تمامًا، لكن في أعماقهم، يشعرون بأن شيئًا ما ليس على ما يرام. قد يشكّون في كل تعبير، وكل كلمة، وكل حركة. لا يشعرون بالأمان في علاقتهم مع هذا الشخص، ويبدأ الشك في تغليف كل تصرفاتهم.
تخيل العواقب الاجتماعية لهذه الحالة. كيف سيكون الوضع عندما تقول لصديقك المقرّب، “أنت لست حقًا أنت، أنت شخص آخر!”؟ أو عندما تبدأ في تجنب أفراد العائلة لأنك تشكك في هويتهم الحقيقية؟ بالطبع، ستكون هذه لحظات محيرة للغاية، وربما مؤلمة، سواء بالنسبة للمصابين بالمتلازمة أو لمن حولهم. هذا الاضطراب يخلق فجوة عاطفية ونفسية هائلة بين الشخص المصاب وأحبائه، ويجعل من الصعب التواصل أو بناء الثقة في العلاقات الاجتماعية.
ومع مرور الوقت، قد يتسبب هذا الاضطراب في عزلة اجتماعية واضطرابات عاطفية شديدة، حيث يصبح الشخص المصاب في حالة دائمة من الشك وعدم اليقين، محاصرًا في عالمه الخاص الذي يراه مختلفًا عن الواقع.
2. متلازمة كوتارد: متلازمة الموتى الأحياء
هل تخيلت يومًا شعور الموتى الأحياء في أفلام الرعب؟ أو هل شعرت بأنك “ميت داخليًا”؟ ربما كان ذلك مجرد شعور عابر أو لحظة يأس، عندما تشعر أنك فارغ أو غير قادر على الإحساس بالأشياء من حولك. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعانون من متلازمة كوتارد، فإن هذا الشعور ليس مجرد تعبير مجازي أو حالة مؤقتة – بل هو اعتقاد راسخ وحقيقي يسيطر على عقولهم. هؤلاء الأشخاص يعتقدون أنهم فعلاً ميتون، أو أنهم لا وجود لهم في هذا العالم، رغم أن أجسادهم تظل حية. قد يعتقدون أنهم مجرد “أشباح” يتجولون في عالم غير واقعي، يتنقلون بين الناس ككائنات عديمة الحياة.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. بعض المصابين بـ متلازمة كوتارد يذهبون أبعد من ذلك في اعتقاداتهم. فبعضهم يعتقد أنهم فقدوا أعضاءهم الداخلية أو حتى دمهم بالكامل، ولا يشعرون بالحياة الجسدية التي يمتلكها الآخرون. يمكن أن يكون الشخص المصاب في حالة من الإنكار التام لحقيقة أنه على قيد الحياة، بل ويشعر أن جسده لا يعمل كما ينبغي أو أنه في حالة تلف دائم. قد يعيش الشخص في معاناة نفسية عميقة بسبب هذا الاعتقاد، حيث تتداخل أفكار الموت مع الواقع، مما يجعل حياته اليومية مليئة بالخوف والحيرة.
ورغم أن الاسم قد يبدو مأخوذًا من أفلام الزومبي أو قصص الخيال، إلا أن متلازمة كوتارد هي اضطراب حقيقي ونادر للغاية. في الواقع، هذه الحالة تندرج تحت تصنيف “اضطرابات التوهم”، حيث يخلق العقل نوعًا من الوهم القوي الذي يصعب على الشخص التخلص منه. بينما يشعر المصاب وكأن حياته قد انتهت أو أنه فقد جزءًا أساسيًا من نفسه، يبقى جسده يعمل بشكل طبيعي، مما يخلق نوعًا من الارتباك والتناقض بين ما يشعر به الشخص وما يحدث في الواقع.
تخيل كيف يكون الحال عندما يشعر شخص ما أن روحه قد رحلت أو أن جسده قد دُفن وهو لا يزال يعيش. هذه الحالة قد تؤدي إلى تدهور شديد في الحالة النفسية، مع الشعور بالعزلة والابتعاد عن الواقع. في بعض الحالات، قد يرافق هذا الاضطراب أعراضًا إضافية مثل الاكتئاب الحاد أو القلق، مما يجعل العلاج النفسي ضروريًا للتمكن من مواجهة هذه الاعتقادات وإعادة الشخص إلى الواقع بشكل تدريجي.
3. متلازمة فريجولي: عالم مليء بالخداع
إذا كنت قد وجدت نفسك يومًا في حشد كبير، حيث الوجوه تتداخل، وفجأة شعرت بأنك ترى نفس الشخص في كل مكان، ربما تراهم في الزاوية التالية أو خلفك مباشرة، فهذا قد يبدو وكأنه مجرد خيال عابر أو مجرد شعور غريب. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعانون من متلازمة فريجولي، فإن هذا الشعور ليس مجرد انطباع عابر – بل هو جزء من تجربتهم اليومية، ولكن مع لمسة غريبة تتجاوز التصور الطبيعي.
متلازمة فريجولي هي اضطراب نفسي نادر ومثير حيث يعتقد المصابون أن أشخاصًا مختلفين في الحقيقة هم نفس الشخص الذي يعرفونه جيدًا، لكنهم متنكرون بأشكال متعددة. تخيل أن تعيش في عالم مليء بالأقنعة المتغيرة باستمرار، حيث لا تعرف إذا كان الشخص الذي أمامك هو شخص آخر تمامًا أو إذا كان هو نفسه في هيئة جديدة. هؤلاء الأشخاص قد يرون شريكهم السابق، على سبيل المثال، متنكرًا في شكل غريب في غرفة مزدحمة، مع ملامح لا تشبهه على الإطلاق، ولكنهم لا يستطيعون إنكار الشعور بأن هذا هو نفس الشخص.
إنها حالة تجعل المصاب يشكك في كل ما يراه، ويعيش في حالة دائمة من التشويش والارتباك. قد يكون في السوق، يشاهد شخصًا يبدو غريبًا، لكنه في داخله يشعر أنه يعرف هذا الشخص جيدًا. قد يكون ذلك صديقه المقرب، أو ربما زميلًا قديمًا، ولكنهم يظهرون بشخصية جديدة تمامًا. قد يعتقدون أن هذا الشخص يختبئ وراء مظهر مختلف، ويحاول التلاعب بمحيطهم بطرق غير مرئية، مما يضيف طبقة من الغموض والريبة في حياتهم اليومية.
أيضًا تؤدي هذه المتلازمة إلى مواقف اجتماعية مربكة للغاية. قد يلتقي الشخص المصاب بأشخاص جدد في مكان مزدحم، ولكن بدلاً من أن يكونوا قادرين على التفاعل معهم بشكل طبيعي، يجدون أنفسهم في حالة من الشك المستمر. هل هذا هو الشخص نفسه الذي يعرفونه أم أنه شخص آخر يتنكر؟ تتداخل الأبعاد بين الحقيقة والخيال، مما يجعل الشخص يشعر بالعزلة ويؤثر على علاقاته مع الآخرين.
في بعض الحالات، قد تتسبب هذه المتلازمة في عزلة اجتماعية شديدة، حيث يبدأ الشخص في تجنب المواقف الاجتماعية خوفًا من التعرض للمزيد من الارتباك أو الشعور بالتهديد. هذه الحالة تخلق حياة مليئة بالغموض والتوتر، حيث يصعب على الشخص التمييز بين المظاهر والواقع.
4. متلازمة أليس في بلاد العجائب: تجربة تحيّر العقل
لا، هذا ليس حديثًا عن الرواية الشهيرة أو شخصياتها الخيالية، ولكنها تجربة حقيقية وغريبة تأخذك إلى عالم من التشوهات الحسية تمامًا كما لو أنك وقعت في حفرة الأرنب. متلازمة أليس في بلاد العجائب ليست مجرد اسم جذاب، بل هي حالة نادرة تجعل إدراكك للعالم من حولك يبدو وكأنه مأخوذ من قصة خيالية غير متوقعة. تخيل أنك ترى الأشياء من حولك وقد تغير حجمها فجأة – الكرسي الذي تجلس عليه يبدو عملاقًا كأنه برج شاهق، أو فنجان قهوتك أصبح صغيرًا كأنه لعبة أطفال. قد تشعر أن يديك أو قدميك تنمو بشكل غير متناسب مع بقية جسمك، أو أنها تتقلص حتى تكاد تختفي. يبدو الأمر وكأنك تعيش داخل عالم من المرايا الملتوية حيث لا شيء يبدو كما هو.
ولكن هذه المتلازمة لا تؤثر فقط على كيفية رؤية الأشياء من حيث الحجم. يمكن أن تؤدي أيضًا إلى اضطرابات في إدراك الوقت والمكان. ربما تشعر أن الزمن يتحرك ببطء شديد، أو أنك عالق في لحظة طويلة لا تنتهي، أو بالعكس، أن الأحداث تمر بسرعة كبيرة كأنك في مشهد مسرّع من فيلم. يمكن أن تشعر أن المسافات بين الأشياء قد اختلت تمامًا – الغرفة التي كنت تعرف أبعادها جيدًا تبدو فجأة بلا نهاية، أو أن الطريق الذي تسير عليه يبدو أقصر أو أطول مما هو في الحقيقة.
هذه الظاهرة الغريبة ليست مجرد تأثير بصري. بل هي تجربة حسية متكاملة يمكن أن تغير الطريقة التي تشعر بها بنفسك وبالعالم من حولك. قد يكون الأمر مربكًا للغاية، خاصة عندما تتداخل هذه التشوهات مع الحياة اليومية. تخيل محاولة تناول طعامك بينما يبدو لك أن الملعقة أصبحت ضخمة كأنها مجرفة، أو محاولة العبور من غرفة إلى أخرى حيث يبدو لك أن الجدران تتحرك وتتغير أماكنها.
ورغم غرابة التجربة، فإن هذه المتلازمة ليست دائمًا علامة على مشكلة خطيرة. غالبًا ما ترتبط بظروف مؤقتة مثل الصداع النصفي أو الإرهاق الشديد، وقد تكون علامة على نشاط مفرط في الدماغ يؤدي إلى هذه التغيرات الإدراكية. لكنها تظل تجربة مثيرة للاهتمام، حيث يعيش المصابون بها وكأنهم في مغامرة داخل عالم سريالي، حيث لا شيء يبدو حقيقيًا أو ثابتًا. إنها بالفعل أشبه بزيارة قصيرة إلى “بلاد العجائب”، ولكن بطريقة لن تتخيلها أبدًا!
5. متلازمة اليد الغريبة: عندما تتصرف يدك بعقلها الخاص
هل سبق أن شعرت أن يدك تتحرك من تلقاء نفسها، وكأن لها إرادة خاصة بها؟ ربما امتدت يدك فجأة لتناول قطعة حلوى بينما كنت تحاول التمسك بنظام غذائي صارم، أو عبثت بشيء على الطاولة دون أن تعي أنك تفعل ذلك. قد يبدو الأمر وكأنه حادث طريف أو مجرد غفلة، ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من متلازمة اليد الغريبة، فإن هذا ليس مجرد لحظة عابرة – إنه واقع يومي غريب ومربك.
متلازمة اليد الغريبة هي اضطراب نادر يجعل اليد (وأحيانًا القدم) تتصرف وكأنها كائن مستقل تمامًا عن صاحبها، غير مرتبطة بإرادته أو قراراته. تخيل أن ترى يدك تفتح الأدراج، أو تغلق أزرار قميصك دون أن تصدر أنت أي أمر بذلك. قد تمتد يدك لتحيي شخصًا غريبًا في الشارع بينما تشعر بالإحراج، لأنك لم تقصد ذلك. إنه شعور أشبه بمراقبة كائن غريب يتصل بجسدك، يفعل ما يحلو له دون أن تستطيع السيطرة عليه.
الأمر قد يبدو في البداية مثل مشهد من فيلم خيال علمي أو قصة مرعبة، ولكن بالنسبة للمصابين، فإنه يمثل تحديًا حقيقيًا في حياتهم اليومية. تخيل أنك تجلس في اجتماع مهم وتحاول التركيز على النقاش، وفجأة تبدأ يدك في اللعب بالأوراق أو النقر على الطاولة بشكل لا إرادي. أو تخيل أن تحاول خياطة زر في ملابسك، وفجأة تبدأ اليد الأخرى في سحب الإبرة بعيدًا، كما لو كانت تحاول إحباط جهودك! هذه المواقف قد تبدو مضحكة عندما تُروى، لكنها بالنسبة للمصابين يمكن أن تكون مصدرًا للتوتر والحرج.
وعلى الرغم من اسمها الغريب، فإن متلازمة اليد الغريبة ليست خيالًا بل ظاهرة طبية حقيقية. تظهر عادةً بسبب تلف في مناطق معينة من الدماغ، مثل الفص الجبهي أو الجسم الثفني، وهي المناطق المسؤولة عن التنسيق بين الأوامر الحركية والإرادة. في بعض الحالات، قد تكون نتيجة جراحة لفصل نصفي الدماغ لعلاج حالات مرضية مثل الصرع، مما يؤدي إلى فقدان التنسيق بين الجانبين الأيمن والأيسر للجسم.
هذا الاضطراب يثير تساؤلات عميقة عن العلاقة بين العقل والجسد، وكيف يمكن لجزء من الجسم أن يبدو وكأنه منفصل تمامًا عن الشخص الذي يملكه. قد يجعل المصاب يشعر بالاغتراب عن نفسه، وكأنه يعيش مع “شريك غريب” داخل جسده. ورغم صعوبة التعامل مع هذه الحالة، إلا أن العلاج يركز غالبًا على إعادة التأهيل العصبي أو التمارين السلوكية التي تساعد على استعادة بعض السيطرة على الحركات غير المرغوب فيها.
6. Pica : شهوة غريبة لتناول أشياء غير صالحة للأكل
هل وجدت نفسك يومًا تتساءل عن طعم الطبشور أو شعرت برغبة غريبة في مضغ الورق؟ ربما كان ذلك لحظة فضول عابرة سرعان ما تلاشت، لكن تخيل أن تتحول هذه الرغبة إلى حاجة ملحّة لا يمكنك مقاومتها. بالنسبة لأولئك الذين يعانون من اضطراب القطا (Pica)، فإن هذا ليس مجرد تساؤل عارض أو تجربة غريبة – بل هو واقع يومي يسيطر عليهم بشدة.
اضطراب بيكا هو حالة نفسية فريدة وغريبة تجعل الشخص يشعر برغبة شديدة في تناول أشياء ليست طعامًا على الإطلاق. نتحدث هنا عن أشياء مثل التراب، أو الشعر، أو الرمل، أو المعدن، أو حتى الطلاء والقماش. إنها ليست مجرد شهوة عابرة أو تجربة طفولية لتذوق شيء غريب، بل هي حاجة طاغية تتملك الشخص، تجعل من الصعب عليه مقاومة تناول هذه المواد غير الغذائية.
الأمر ليس مجرد عادة غريبة، بل قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة. تناول أشياء مثل الزجاج أو المعدن يمكن أن يسبب أضرارًا جسيمة للأمعاء أو المعدة، بينما تناول التراب أو الرمل قد يؤدي إلى انسداد معوي أو التسمم بسبب المواد الكيميائية الموجودة فيهما. حتى المواد التي تبدو غير ضارة، مثل الورق أو القماش، يمكن أن تؤدي إلى مشاكل هضمية مزمنة إذا استمرت هذه العادة لفترة طويلة.
لكن ما الذي يجعل شخصًا يرغب في تناول هذه المواد؟ أسباب اضطراب بيكا لا تزال غير مفهومة تمامًا، ولكنها قد ترتبط بنقص في بعض العناصر الغذائية الأساسية مثل الحديد أو الزنك. في بعض الحالات، يمكن أن يكون هذا الاضطراب مرتبطًا بحالات نفسية مثل القلق أو التوتر، أو ببعض الاضطرابات التطورية مثل التوحد. ومن المثير للاهتمام أن اضطراب القطا يظهر في جميع الأعمار، ولكنه أكثر شيوعًا بين الأطفال والنساء الحوامل، حيث قد تدفعهم التغيرات الجسدية أو النفسية إلى تطوير هذه الرغبات الغريبة.
ورغم أن الكثيرين قد ينظرون إلى هذا السلوك على أنه غريب أو حتى مضحك، إلا أنه يشكل تحديًا حقيقيًا للمصابين به. يمكن أن يكون الاضطراب محرجًا للغاية، خاصة عندما يواجه الشخص صعوبة في شرح رغباته للآخرين. تخيل أن تكون في موقف تحاول فيه منع نفسك من تناول شيء تعرف أنه غير صحي، ولكنك تشعر بأنك غير قادر على مقاومة تلك الرغبة الساحقة.
7. متلازمة كلين-ليفين: اضطراب “الجمال النائم”
من منا لا يرغب أحيانًا في الهروب من ضغوط الحياة والانغماس في نوم عميق طويل؟ قد يبدو هذا كحلم للكثيرين، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعانون من متلازمة كلين-ليفين (KLS)، فإن النوم المفرط ليس رفاهية أو اختيارًا، بل هو حالة طبية غامضة تسيطر على حياتهم وتجعلهم يعيشون وكأنهم محاصرون في عالم من النوم المستمر.
متلازمة كلين-ليفين، المعروفة أيضًا بـ”متلازمة الجمال النائم”، هي اضطراب نادر للغاية يجعل المصابين بها يدخلون في نوبات طويلة من النوم المفرط، قد تمتد لأيام أو حتى أسابيع متتالية. خلال هذه النوبات، يبدو العالم الخارجي كأنه يتلاشى تدريجيًا، حيث يظل الشخص نائمًا معظم الوقت، يستيقظ فقط لفترات قصيرة جدًا لتلبية احتياجات أساسية مثل تناول الطعام أو الشراب أو الذهاب إلى الحمام، ثم يعود فورًا إلى نومه العميق. وكأن حياتهم أصبحت سلسلة متكررة من الأزرار المؤجلة للنوم، بلا توقف أو نهاية قريبة.
ولكن الأمر لا يقتصر على النوم فقط. عندما يكون المصابون بهذه المتلازمة مستيقظين، غالبًا ما يعانون من شعور بالارتباك، واللامبالاة، أو حتى تغييرات في السلوك. قد يشعرون وكأنهم في ضباب ذهني كثيف، غير قادرين على التركيز أو التواصل بشكل طبيعي مع من حولهم. في بعض الحالات، قد تظهر لديهم ميول سلوكية غريبة مثل الإفراط في تناول الطعام أو الانخراط في سلوكيات غير معتادة بسبب تأثير المتلازمة على وظائف الدماغ.
هذا الاضطراب يترك بصمة واضحة على حياة المصابين به. تخيل أن تكون طالبًا أو موظفًا تحاول مواكبة مهامك اليومية، ثم تجد نفسك فجأة في حالة نوم عميقة تستمر لأيام، لتستيقظ وتكتشف أن الكثير قد فاتك. هذه الحالة تسبب انقطاعًا كبيرًا في الحياة اليومية، وتؤثر على الدراسة، والعمل، والعلاقات الاجتماعية بشكل كبير. ليس من الغريب أن يشعر المصابون بالعزلة أو الإحباط نتيجة لذلك.
ورغم أن السبب الدقيق لمتلازمة كلين-ليفين لا يزال غامضًا، إلا أن الباحثين يعتقدون أنها قد تكون مرتبطة باضطرابات في أجزاء معينة من الدماغ، مثل المهاد أو تحت المهاد، التي تلعب دورًا مهمًا في تنظيم النوم والجوع والعاطفة. كما يُرجح أن العوامل الوراثية قد تلعب دورًا في ظهور هذا الاضطراب.
حتى الآن، لا يوجد علاج محدد لهذه المتلازمة، والعلاج يركز غالبًا على إدارة الأعراض وتحسين جودة الحياة للمصابين. قد يتم استخدام أدوية لتحفيز الاستيقاظ أو تنظيم النوم، ولكن النوبات عادة ما تختفي تلقائيًا مع مرور الوقت. من الجيد أن معظم الحالات تتحسن تدريجيًا مع تقدم العمر، لكن النوبات قد تستمر لسنوات قبل أن تختفي تمامًا.
8. متلازمة مونشاوزن بالوكالة: قصة مظلمة من الخداع
هذا الاضطراب النادر يتضمن شخصًا (عادةً مقدم رعاية، مثل أحد الوالدين) يتعمد خلق أو المبالغة في حالات طبية لشخص آخر (غالبًا طفلهم) لجذب الانتباه أو التعاطف من الآخرين. إنها أشبه بحياة مليئة بالدراما حيث يقوم الشخص بإلحاق الأذى أو التلاعب بصحة الآخرين لتحقيق مكاسب عاطفية. ورغم أن متلازمة مونشاوزن بالوكالة نادرة جدًا، إلا أنها خطيرة للغاية ويمكن أن تكون لها عواقب مدمرة.
الشخص الذي يعاني من هذا الاضطراب يلعب دورًا مزدوجًا: دور البطل المخلص الذي يعتني بالضحية، ودور العقل المدبر الذي يتسبب في المشكلة منذ البداية. قد يقدم تاريخًا طبيًا زائفًا للضحية، أو يتسبب عمدًا في أعراض مرضية عن طريق إعطاء أدوية غير ضرورية، أو حتى التلاعب بنتائج الفحوصات الطبية. والهدف؟ استدرار الشفقة والاهتمام من المجتمع المحيط، مثل الأطباء، الأصدقاء، أو حتى وسائل الإعلام.
لكن لماذا يفعل شخص ذلك؟ السبب الدقيق لهذا السلوك ليس واضحًا تمامًا، ولكنه غالبًا ما يكون مرتبطًا باضطرابات نفسية عميقة مثل الشعور بعدم الكفاءة أو الإهمال في الحياة الشخصية، أو الحاجة الملحة للشعور بالسيطرة. يعاني هؤلاء الأشخاص عادةً من تجارب سابقة مؤلمة، مثل الإهمال العاطفي أو الصدمات في الطفولة، مما يجعلهم يبحثون عن الانتباه بأي ثمن.
المشكلة الحقيقية هنا أن الضحية – وغالبًا ما يكون طفلًا – يعاني بشكل لا يوصف. تخيل طفلًا يتم إخضاعه لفحوصات طبية لا تنتهي، وعمليات جراحية غير ضرورية، وعلاجات قد تكون مؤلمة أو حتى مدمرة، دون أن يدرك أحد أن “المرض” مجرد خدعة من مقدم الرعاية. هؤلاء الأطفال قد يعانون من آثار جسدية طويلة الأمد، بالإضافة إلى الصدمات النفسية الناتجة عن العيش في بيئة مسيئة بهذا الشكل.
لماذا تجذبنا هذه الاضطرابات؟
رغم غرابتها، تذكرنا هذه الاضطرابات النادرة بتعقيد وغموض الدماغ البشري. إنها تُظهر لنا أنه حتى عندما نظن أننا نفهم أنفسنا، لا تزال هناك الكثير من الأسرار التي لم تُكتشف بعد. في بعض الأحيان، يأخذنا العقل إلى أماكن لم نتوقعها أبدًا، وهذه الاضطرابات تمنحنا لمحة عن هذا العالم الساحر والمربك.
في المرة القادمة التي يذكر فيها شخص ما قصة غريبة عن الصحة النفسية، قد تكون لديك بعض الاضطرابات النادرة والمثيرة لتشاركها في المحادثة – فقط لا تتفاجأ إذا نظروا إليك وكأنك أنت الذي يعاني من حالة غريبة!