” قصص الهوى قد جننتك فكلها أسطورة وخرافة وخيال، الحب ليس رواية ياحلوتى فى ختامها يتزوج الأبطال” لو جاز لنا تصديق الشعر لكان هذا البيت الذي كتبه نزار قبانى هو أصدق الأبيات، وإن جاز لنا تكذيب الروايات لقلنا أن مشاهد النهايات التي يتزوج فيها البطل البطلة مجرد أكذوبة وخيال، فزواج الأبطال ليس النهاية السعيدة والمنطقية للقصص الجميلة.
لاتفاجئني أرجوك بالسؤال عن ما هو مفترض أن يكون نهاية للحب؟ لأني سأقول لك ببساطة ولماذا يكون للحب نهاية؟! السؤال عن النهايات يجدي فقط حين تستقل سيارة أجرة وتسأل السائق عن أخر الطريق، أما فى الحياة فإن السؤال عن آخر الاشياء غير منطقي، لأن لاشيء في تلك الرحلة ينتهى بل يتحول إلى صورة اخرى وكذلك الحب.
أسمعك جيدأ وأنت تقول لي كُفى عن الفلسفة.. حسناً دعنا نتفق أن التعميم صفة الحمقى، وأن لكل فرد تجربته التي ربما تخلق استثناء فى القاعدة، وما سأكتبه هو خلاصة أفكار كونتها بعد معاصرة تجارب للكثيرين وليس لكل البشرية، ولاغرض لى إلا تخفيف وقع الأحلام الخرافيه والأساطير على قلبك، وإسقاط التهم عن كاهل الحب، ومحو لعنة البدايات والنهايات المؤلمة، وقول أنه أعظم شىء قدمه الله للبشرية حتى وإن أفسدناه، فالقلوب التي عمرت به يوماً فازت حتى وإن غادرها فلربما لم تقدر عليه أو لم يقدر عليها.
فلنقدم بعض المنطق في أن الحب ليس سبباً كافياً للوصول للمشهد الحافل، ونبدأ بالسؤال، م اهو الحب؟ يكذب الذي يقول أن له تعريف واحد، لكن دعونا نتحدث عنه فى صورته المطلقة التي لم تزين بأي زينة، هناك فى الجنة إلتقى آدم بحواء فى عالم لا إحتياج فيه ولا غرائز، لا شيء سوى الإنبهار بينهما لأنهما من نفس التكوين، ولكن بعد التيه وبعد العقاب ظل يبحث عنها، ظل يبحث عن الروح التي تكمله، عن الشيء الذى آلفه في عالم آخر، فصار الحب هو المساحة من الإحتياج والأطمئنان المُشبع له، لاتفاصيل تزعج ذلك الشعور أو تهدمه، إنه عالم سرمدي مطلق، روح واحده منقسمة على جسدين ليس إلا، لاتفسير منطقى لحدوثه، كأنه سيناريو كررناه في عالم آخر وفى الواقع ننفذه دون دراية، لا يوجد مكان فى عالمه إلا للشغف، للصمت الذى يشبع عن اى كلام، للتعلق الذى لاتدرى كونه أو سببه، للأحلام التى لايقدر عليها الواقع. كانه رقصة حرة لاحد لها ولاشىء يوقف جموحها، ينطلق دون حسابات دوان إدراك، روح تتسلل منك لتسكن أخرى دون إعتبار للمنطق، لها القدرة على تغفيل عقلك الحارس والهروب منه، تكسر قيداً بعد قيد لتوقعك فى الشرك ولاتدرى بعدها مالذى حدث وكيف إستسلمت له.
هذا هو الحب فى المشهد الأول قبل الإختبار، ربما حين التقى آدم قرينته على الأرض قال لها انهما لن يفترقا أبداً، وأن كل شىء سيكون على مايرام لانهما معاً، ربما كان صادقاً لكن قوانين أمنا الأرض مختلفة.
وتلك القوانين كانت الواقع والتجربة، كان عليهما البدء للتكفير عن الخطيئة و رفع الستار عن وجه الحياة الأصلي.
والرحلة بين الحب والزواج كالرحلة بين الجنة والأرض، الرحلة من الخيال إلى الواقع، المعاناة التى عليهما إجتيازها سوياً، هل لنا مثلاً أن نتخيل أن حواء بعد قضاء أيام على الأرض عنفت آدم وقالت له ” أنتَ سبب المشكلة دفعتنا إلى هنا بتهورك” فرد ” بل انتِ بغوايتك” وتوارثنا الشجار بعدهم..ربما.
لكن الاكيد انهم تركوا العالم الأخر المطلق وصار عليهم التعامل مع الحياة والحياة ليست أكثر من شىء نسبى. وتكمن الصعوبة حين نحاول تطبيق المطلق على النسبي.
والزواج حالة مطلوبة من التوازن، الوقوف على درجة واحدة من الشوف، محاولة لتجاوز الإختلاف وتخطى الأسئلة، تحمل قلق وضعف الأخر دون ملل، تقبل النواقص والقدرة على الإستمرار، الوقوف على بقعة بسيطة وواهية من الحياة يعد فيها كل طرف الأخر أنه سيتلقاه ساعة الوقوع.
انه عملية شاقة تحتاج إلى بذل جهد خرافى للوصول الى أرض الأمان،الزواج هو القدرة على الإستمرار رغم الخسائر.
اسمعك تقول أن ماقلته على الزواج إنما هو صورة من صور الحب، نعم قد يكون ، ولكن دون حب يستطيع البعض فعل ذلك، فقط لتحكيم العقل أو مواكبة الظروف وربما للملل، فهو قد يكون صورة من صوره لكن ليس دليلاً على وجوده، ربما هذا هو الذى جعل البشرية تستمر رغم كل شىء.
الحب كفقاعة الهواء الملونة التي تريد الإنطلاق فى الهواء حرة دون قيد، والزواج هو محاولتك أن تمسكها بيدك، هل تدرك أي ساحر لابد أن تكونه حتى تفعلها لتفعل هذا الأمر الصعب للغاية.
ربما نستطيع أن نقابل الإثنان معاً لو حافظنا على ثلاثة أطراف في المعادلة وهم” مساحة من المشتركات وبعض من التنازلات وشيء أخر لانعلم عنه شيء”.
لكن أى نفس بشرية تستطيع إدراك ذلك كله مرة واحدة دون خسائر ودفع ثمن باهظ للتجارب المتكررة؟؟!! لا أحد يدرى.
ويظل الزواج دون حب هو سير في الحياة دون شغف وروح وتفاصيل، والحب الذي يكلل بالزواج دون لإدراك ووعي بالتجربة التي سينخرط داخلها ربما يكون هو التيه والإنكسار.
أما عن الإنكسار بعد التجارب فهو مخيف لكنه ليس النهاية، فلو تتذكر قلنا أنه لا يوجد على الأرض نهايات، بل صور تتحول إلى اخرى، قد يتحول إلى كراهية، قد يتحول إلى نسيان، إلى طعم حريق باهت تحت اللسان، إلى حديث لكسر الملل او السخرية .. ربما يصل الى ذروة الوجع فيمنحك التسامح مع خسائرك وساعتها ستتسامح معها ومع ذاتك، كل شيء متاح بعد الإنكسارات وفى النهاية كل شىء يمر.
لكن مهما وصلت ذروة وقسوة التجارب ودراميتها، فسيبقى الحب سر الله الأعظم، سواء أعطانا إياه أو حرمنا منه، وسيظل الزواج هو نظام وضعه الله لإستمرار الحياة والسكينة والإرتكان إلى مساحة من الظل وسط القيظ، ومحاولة فهمه وفهم قواعده بها جانب من السعادة والطمأنينة وربما هذا ما جعل الكثيرون يستمرون رغم أنهم لم يهتموا ابدأ بالحب ولم يتسائلوا عنه، فمن منهم المحظوظ ؟ من منهم ذو القلب الأكثر صفاءاً والذات الخالية من الشوائب ؟ شىء لايعلمه الا الذى قلب القلوب وشكلها ورزق بعضها الحب ورزق بعضها السكينة وله دائما فى خلقه شأن وعبر.
وفي الختام ، وأنت على شفا حفرة من الحب اعلم أن اكبر ظلم توجهه له هو تحميل ذلك الطفل البريء فوق طاقته، واكبر ظلم للزواج هو تجريده من الحب، وطلب التوازن يحتاج لكثير من الجهد والمحاولة وبعض الإستسلام أحياناً لما يكتبه القدر.