تحدثنا فى مقال سابق عن الأهرامات المصرية وتاريخها، ومعلومات حول موقعها، والىن دعونا نقترب من المشهد اكثر ونرجع بأنفسنا الى الوراء تحت وهج الصحراء وحرها القاتل، ونتقمص شخصية مصرى قديم يحمل الحجارة ويصعد بها الى الأعلى وكانه يريد أن يلمس شيئاً أبعد من السماء وأبعد من الخلود، شىء لاندرى كونه إلى الآن، لكن ربما لو تركنا لخيالنا العنان وتصورنا ماحدث قد نصل الى شىء، عن نفسى عزيزى القارىء لم اصل إلى شىء محدد بالبراهين والادلة، لكن أن كان لك أراء أو قراءات أخرى فشاركنا بها.. فهيا بنا نغوص أكثر فى المشهد البعيد.
لكن علينا تذكيرك كل مرة أن فيما يلى معلومات مختلفة ومتنوعة وأسئلة درات حول بناء الأهرام وملوكها، وحول النظريات الهندسية والدينية المرتبطة به، وحول بعض الألغاز التى مازال العلم يقف أمامها، وحول الأسئلة الحضارية التى تحاول الأجابة على مامدى عمق شخصيتنا المصرية وحقيقتها. وكل ماسيأتى هو تجميع للمصادر الموثوقة والأبحاث التى عمل عليها أصحابها ونتائجها وفى نهاية المقال سنورد لكم المصادر التى أعتمدنا عليها فى كتابة هذا المقال.
الشكل الهندسى وطريقة البناء:-
يبلغ طول قاعدة الهرم حوالى 227 متراً، وارتفاعه 137 متراً، وحجمه مليونين ونصف مليون متر مكعب، على قاعدة الهرم كان لابد من رص الحجارة بشكل متصاعد ومتراص بدقة،وكان وزن الحجر الواحد اثنان ونصف طن، لذا ذهب بعض العلماء للقول أن بجانب الهرم بنيت مصطبة ترابية توزاى إرتفاعه وبذلك تسهل عميلة نقل الاحجار للأعلى وكذلك بعد العثور على العديد من البكرات اتجه القول الى انها استخدمت لرفع الحجارة، لكن تلك الاراء لم تعد مقنعة للعلم الحديث.
والتفسير العلمى الحديث انه تم بناء مدرج حجرى خرسانى موازى للهرم ومن خلاله إستطاع العمال جر الاحجار الى الاعلى ومن ثم استخدام الروافع لرص الأحجار بجانب بعضها.
ام بعد اكتمال الهرم غطى بطبقة من الحجر الجيرى الأبيض مما اعطاه ملمس ناعم وقد تآكلت تلك الطبقى الجيرية ولم يتبقى منها الا جزء بسيط اعلى الهرم.
أما عن أحجار الهرم فقط تمت تقطيعها من منطقة طرة وهى التى بها أحجار جيرية من نفس نوعية أحجار الهرم، وقد تما تقطيعها وظبط حوافها ونقلها كما هى من مكانها إلى منطقة الجيزة، اما حجرة الدفن الرئيسية المكتشفة فلقد كانت كاملة من الجرانيت، وحجر الجرانيت يتم جلبه من الجنوب، وهذه الحجرة وحدها كانت عبارة عن قطعة ضخمة من الجرانيت تم نقلها الى قلب الهرم.
الهرم وحماية جثمان الملك:-
نظراً لإرتباط حياة المصريين فى العالم الآخر بحياة الملك فان حفاظهم على جسد مليكهم حتى تصل اليه الروح عند البحث جزء لايتجزأ ولاينفصل عن إيمانهم بالحياة الاخرى. اذا فمهما كلفهم الامر لابد من حماية جسد الملك فى المكان الحصين، وقد كانت جثث الملوك تتعرض للنهب والسرقة على يد اللصوص وخاصة فى ايام التمرد والثورات، لذا كان لابد لخوفو من بناء حصن يصعب على المتمردين الوصول اليه، ربما هذا يفسر وجود العديد من الغرف السرية المغلقة التى لايستطيع احد دخولها، وهناك أيضا فى الهرم غرف مزيفة للدفن كان الغرض منها تضليل اللصوص عن جيد الملك.
ورغم ذلك تقول بعض الأراء أن اثناء ثورات تمت فى العصر الفرعونى فان اللصوص نجحوا فى اقتحام حجرة الدفن وسرقتها حيث وجدت الحجرة الجرانيتية فارغة وغطاءالتابوت الحجرى غير موجود. فالاحتمال الاخر لعدم سرقة جثة الملك وذهبه هو ان تلك الغرفة ليس قدس الأقداس وحجرة الدفن الرئيسية.
هل بناه الاستعباد ام النظام الدقيق للعمل؟
يقول العالم أوفرير” إن المعابد الضخمة تشير إلى قوة كهنتها، والمقابر الهائلة الى سطوة فراعنتها وليس هناك سوى الملكيات المطلقة تستطيع بناء آثار كالأهرام، والواقع ان الاهرام وهى عقيمة اقتصاديا ليست فى نظر البعض الا نصباً تذكارياً للطغيان”
هل فعلاً بُنيت الأهرامات بالسخرة والطغيان ؟ربما هذا هو السؤال الذى مازال صداه يتردد عبر الأجيال وحسم الإجابة عليه حسماً قاطعاً فهو درب من الخيال، ولكن هذه بعض الأراء التى تقرب إلينا الصورة:-.
أولاً:- ان قبر الملك لا يخصه وحده، انه المكان الوحيد الذى من خلاله سيجتمع بروحه فى العالم الاخر، وفى العالم الآخر الملك يقود شعبه، وقد ثبتت فى عقيدة المصرى القديم ان وجوده فى الآخرة مرتبط ارتباطاً كبيراً بملكه، وان قلنا ان العقيدة الدينية جزء لاينفصل عن تركيب الشخصية المصرية فلربما صدقنا ان من بذل عمراً فى بناء الهرم كان لأجل ان تجد روحه مصيرها فى العالم الآخر ولاتذهب الى العدم.
ثانياً:- إن بناء الهرم إستغرق حوالى عشرون عاماً، كان الملك يحتاج يومياً لأكثر من 1200 حجار لقطع الحجارة فقط، وعشرون رجلا لنقل حجر واحد، وكان كل يوم يتم نقل حوالى 300 حجر، و700 رجل لسحب الحجارة، و300 رجل لرفع الكتل.
فهل يستطيع اى جبار فى الارض ان يتحكم فى كل هذا الكم من البشر بالاستعباد والسوط ، مع العلم ان الملك لو مات قبل ان تتم هذه المهمة فإن الشمس لن تشرق على مصر مرة اخرى وستغرق مصر فى الظلام. فهل يغامر الملك بخسارة رعيته؟
ثالثاً:- كشفت الحفائر عن وجود مدن كاملة لعمال خوفو، مدن فى مكان بعيد عن النيل، وقد كان المصريين يعملون بالزراعة، فإن قيام مشروع كهذا كان يتطلب إقامة تلك المدن بصحراء الجيزة وقد بدأت بالنشاط بالعديد من الأعمال كصناعة الاوانى والخزف والصناعات الخشبية. اى لو نظرنا الى القيمة الاقتصادية التى نشأت بجانب هذا الصرح فهى ليست بالشىء الذى يمكن تجاهله.
رابعاً:- كشفت المخطوطات عن برديات بها تدوينات لأعداد العمال واتضح ان نصيب كل عامل فى الهرم من الطعام يصل الى حوالى مايعادل عشرة أرغفة وابريق جعة يومياً.
خامساً:- تذكر وثائق أن العمال المصابين جراء العمل كانوا يلقون العناية الطبية الجيدة، وخلال الحفائر وجدت جثة لشخص سقط حجر ضخم على قدمه وانه تلقى العناية على يدى اطباء فرعون.
لذا قد يكون نظاماً دقيقاً هو القادر على خلق ذلك العمل، وروح ايمانية بنظريات الخلود، لكن ان نحسم حسما تاماً بان الهرم تم بناءه بنظام استعبادى مطلق لاهوادة فيه اظن ان فيه الكثير من الاجحاف والراى غير السليم، لكن فى نفس الوقت علينا ان نذكرك بأن التاريخ يكتبه الملوك والموالين لهم، لذا إستبعاد وقوع أى نوع من الظلم على العمال أو إعطاء صورة كاملة عن وضعهم الإقتصادى والإجتماعى فى ذلك الوقت من الصعب حسمه.
هذا ليس كل شىء مازال هناك الكثير الذى سيتم إكتشافه والبحث عنه، لكن المهم أن طالما التاريخ قائماً فان الاهرامات ستظل ترمى لينا كل يوم بريقاً من بريقها وشيئاً من اسرارها وليس لنا حيلة الا الإنتظار.
المصادر:-
- مصر فى عصر ماقبل التاريخ إلى نهاية العهد الأهناسى :- سليم حسن
- ديانة مصر القديمة :- ادولف ارمان.
- مدخل لدراسة الإثار المصرية:- عبد الواحد عبد السلام.