هذا العالم الكبير يحتوى على آلاف التماثيل لملوك والهة، كلها غاية فى الروعة والجمال والقوة، ولكن هل يستحق أياً منها كل تلك الدراسات والأبحاث؟ بل هل يمتلك أى منها ذلك السحر الذى نسج فى الخيال الإنسانى العديد من القصص حوله، السحر الذى قد يصل لأن يعتنق البعض فكرة ان أبا الهول لم يكن صناعة بشرية ولكنه بفعل الجان.
فليكن مايكون حوله من أساطير وحكايات ولكن المؤكد أن الأسد الرابض أمامك من الحجر ذو الرأس الإنسانى القوى قادر على أن يُلهمك الكثير، فلاتغرك ملامحه الهادئة ونظرته الباسطة امتدادها على الأفق وكأنها تعرف انها قادرة ان تعبر زمناً بعد زمن دون أن يوقفها شىءبل مثلما كان قادراً على نسخ الأساطير أحياناً اخرى كان قادراً على بث الرعب. اذاً دعونا نقف أمامه ونحكى الحكايات ونسأل الأسئلة ونقترب من ظله الساكن أكثر.
موقع وتاريخ بناء أبو الهول.
تصل مساحة تمثال أبى الهول إلى حوالى 21 متر إرتفاع، وطوله يصل إلى 70 متراً، وهو منحوت من صخرة واحدة على شكل أسد رابض له رأس إنسان، يقع فى الجهة الشمالية من نهاية الطريق الممتد بين المعبد الجنائزى ومعبد الوادى للملك خفرع.
وتدل الأبحاث أن التمثال قد نحت فى عهد الملك خفرع ” ددف- رع” وهو إبن الملك خوفو، وتميل بعض الأراء انه قد بنى ليمثل قوة الملك خوفو بعد رحيله، وهى حيلة لجأ اليها الملك خفرع لأن البلاد فى عهد ابيه قد سادها بعض الإضطرابات لذا كان عليه حماية الأهرامات المقامة من خلال هذا التمثال الذى قصد بضخامته بث الرعب فى النفوس، ولكن هذا الرأى يواجه الكثير من الجدل حوله.
التمثال مبنى من الحجر الكلسى، وفى العهود القديمة كان مغطى من الجص الملون ولكن عوامل الزمن والتعرية أدت الى اختفاء هذه الطبقات الملونة عن جسد التمثال.
الموقع المحيط بأبى الهول.
مايثير الدهشة والتأكد من أن إختيار موقع التمثال لم يأتى صدفة أو دون تدقيق، انه يقع فى نقطة تتوسط كل من هرم خوفو وهرم الملك خفرع،وأكتشفت بجانب الموقع فى ابيدوس مقبرة قديمة تضم رفات 35 جثة، يعتقد انها لشباب لم يتعدوا سنة العشرين وبجانب ال35 مقبرة يوجد مقبرة اخرى لكنها تضم رفات لعظام غير بشرية والأوقع انها تضم رفات لأسود مما يجعل الرأى يتجه إلى تقديم اضحيات بشرية فى ذلك الوقت وعلاقتها بالتمثال ، وهنا يقارن الفرعون نفسه بالأسد او بمعنى أخر الأسد هو تمثيل لقوة الفرعون.
الألغاز المُحيطة بالتمثال.
إستطاع التمثال على مدى القرون العديدة أن يمنحنا الغاز وأسئلة منها، هل هوتمثال للفرعون؟ وأن كان تمثال لفرعون فمن يكون، خوفو أم خفرع؟ ومالهدف من بناءه؟ أين أختفت أنفه؟. اذا فلنرى هل كان هناك اجابات شافية.
أولاً:- هل رأسه هى للفرعون خوفو أم خفرع؟
بالرغم من أن كل الأبحاث تكشف أن التمثال تم بناءه فى عهد الملك “ددف – رع” خفرع، إلا أن الإتجاه يذهب إلى ان الرأس تمثل الملك خوفو وليس أبنه، وللأسف لم يمدنا التاريخ القديم الا بنسخة صغيرة جداً لتمثال للملك خوفو تظهر فيها ملامح الملك اقرب الى ملامح أبى الهول، والذى دعى الى الميل أكثر لهذا الرأى ان الملك خوفو صور دون وجود ذقن وكذلك أبو الهول. على عكس الملك خفرع الذى صور فى كله تماثيله بذقن طويلة.
ثانياً:- هل هو تمثال الفرعون أم تمثال الأله؟
جاء تجسيد كل اللألهة القديمة فى جسد إنسان ورأس حيوان ولكن الأمر إختلف مع أبى الهول، فان كان يرمز الى حكمة وقوة الملك فلا يعنى ذلك انكار انه أيضا يمثل الاله، فعلى التمثال توجد لوحة تعود الى عهد الملك ” تحتمس الرابع” أى بعد بناء التمثال بألف سنة، هذه اللوحة يوجد عليها نصوص للتعبد الى هذا الإله ” حور إم إخت” اى حور فى الأفق، وتقول القصة ان كان هناك أمير يصطاد فى تلك المنطقة الصحراوية والتى كانت شبه مهجورة، واذا بالاله ” حور إم اخت” يطلب من الأمير ازالة الرمال التى تراكمت حوله، وحين أنقذ الأمير التمثال كافئه بأن جعله ملك.
إذاً فالنصوص القديمة تمدنا بحقيقة أن هذا التمثال الضخم وان صور فى هيئة بشرية الا انه كان رمزا للإله حور، وحور فى الأفق تعطينا إنطباع ان وظيفة الاله هى حماية الأفق والشمس والبوابة الى العالم الآخر.
ثالثاً:- أين ذهبت أنف أبو الهول؟
ومن اكثر الإجابات المغلوطة انها كسرت بعد أن صوب نابليون مدافعه نحوها، ولكن احد المؤرخين العرب ويدعى تقي الدين المقريزي قبل عهد نابليون ذكر معلومات عن التمثال تضمن عدم وجود أنفه وان من حطم وجه ابو الهول كان شخص يدعى الشيخ محمد صائم الدهر وكان فاطميا متعصبا ويعتقد أن الآثار اوثان يجب هدمها وذلك قبل عهد نابليون بكثير.
اما الدراسات فتقول أن بداية عهد العبث مع التمثال بدأت فى العصر اليونانى حيث إبتدع اليونانيون نسخة شريرة من التمثال لكن فى صورة إمرأة ، وفى القرن الرابع عشر الميلادى يقال ان هناك زعيماً قبلياً حاول هدمه لكنه لم يستطع النيل الا من الأنف،ولكن لاينسب لزمن او لقرن معين سبب سقوط انف التمثال.
رابعا:- تفسير بناء ابو الهول.
كما قلنا يقع التمثال فى نقطة تتوسط هرمى خوفو وخفرع، وكشفت الحفائر عن وجود حرم معبد يتقدم التمثال ويحتوى على اربع وعشرين عمود، وحين تسقط الشمس على الحرم داخل المعبد تمتد خلال وقت الاعتدال ربيعى والخريفة – وهو اليومان الذى يتساوى فيهم طول الليل والنهار- فان الشمس تمر فى خطا عموديا فوق كتف أبى الهول وتمر موزاية الى الهرم الأكبر، واذا ربطنا ذلك بالنظريات الدينية المصرية نجد أن أبا الهول يمثل الإله رع عند الغروب ويعتبر فى نظر الناس حارس الجبانة الى عالم الأخر.
ربما هذا ليس كل شىء وربما القادم سيعطينا شىء من اسرار وعبقرية هذا المكان لكن دعونا نختم بذكر نص من النصوص التى ذكرت على تمثال لابى الهول مخاطباً المتوفى ” إنى احمى مقصورة مدفنك، وانى احرس حجرة دفنك، وانى أقصى كل انبى يريد إقتحامها، وانى اقضى على الاعداء بسلاحهم، وانى أقصى المؤذى عن قبرك، وانى اصرع أعدائك فلايعودون اليك قط”