هل تقتل انظمة التعليم عملية الإبداع؟

الإبداع، ربما هو كلمة السر للمستقبل، يدور الحديث الآن على ان المبدعين هم وحدهم القادرون على إدارة كل المستقبل، وإن كانت الشهادات العلمية والدراسات الأكاديمية هى صاحبة اليد العليا فى الماضى فإن كل الإتجاهات تجزم بأن اليد العليا فى المستقبل ستكون للإبداع والمبدعين. ولكن هل صارت مؤسسات التعليم فى العالم أجمع قادرة على صياغة عقول بشرية قادرة على الخلق والتميز؟ هل توفر للأطفال فى المدارس الفرصة لكى يكتشفوا ذواتهم ويطوروا منها؟ هل تواكب أنظمة التعليم الحالية فى العالم التطور المتوقع فى العقل الإنسانى؟ كل تلك الأسئلة دارت فى ذهن “كين روبونسون “، أحد المتحدثين فى برنامج  Ted حيث كانت محاضرته تدور حول كيف تخنق الأنظمة التعليمية عملية الإبداع ، وهذه هى أبرز النقاط التى تضمنتها محاضرته.

” أن جميع الأطفال لديهم قدرة إستثنائية على الإبداع، فجميعهم خلقوا وهم يمتلكون مواهب عدة لكننا نقوم بخنقها وتدميرها بلا رحمة من خلال انظمة التعليم، لذا فان الإبداع له نفس الأهمية التى لاتقل على اهمية التعليم” ..

ولكن كيف يقتل النظام التعليمي الإبداع؟

1- بالخوف من الخطأ.

يقوم السيد روبونسون بسرد قصة لطفلة كانت فى درس رسم، قالت المعلمة أنها غير مهتمة بالدرس وذهنها منشغل بشىء أخر، فذهبت اليها وسألتها، ” ماذا ترسمين؟” فردت الطفلة ” ارسم الله” فقالت المعلمة ” ولكن لا احد يعرف شكله” فردت الطفلة ” إذا فبعد دقائق سيعرف الجميع”.

أراد بهذه القصة أن يقول أن الاطفال لديهم القدرة على المجازفة، فإن لم يعلموا سيجازفوا، لأنهم غير خائفون من الخطأ، وهنا لا نربط الإبداع بالخطأ لكن إن لم تكن مستعداً لتكون مخطئاً فلن تبتكر شيئاً جديداً أبداً.

لكن أسوأ شىء فى كل أنظمة التعليم أنها تحاول أن تتجنب الأخطاء، فلابد ان تكون كل الإجابات صحيحة، الخطأ هو اسوأ شىء يتخيله التعليم، وبالتالى فإنه يوقف السعى الى كسر المعتاد، ويجعل من الجميع صورة موحدة تردد نفس الجملة، ولا يستطيع أحد منهم الخروج عن النص. لذا فإن التعليم يكون اول صورة للخروج من عملية الإبداع. وهذا مايقوله بيكاسوا ” كل الأطفال يولدوا فنانين ولكن المشكلة ان نبقى فنانين خلال نمونا.

2- التعليم لايعطى إهتماماً كبيراً بتدريس المواد الإبداعية.

يقول السيد روبونسون انك إن زرت بقاع العالم اجمع تجد أن هناك نظاماً واحداً للتعليم، وهو نظام هرمى على قمته تكمن المواد الرياضية فهى الأهم، تليها اللغات ثم الإنسانيات، اما فى قاع الهرم تكمن الفنون، لايوجد نظام تعليم يعطى الفنون الأهمية الأكبر، تقبع دائماً على الهامش دون مراعاة لقيمتها، وان وجد إهتماماً قد يكون طفيفاً، ويقول روبونسون إن تعليم الرياضيات مهماً ولكن لما نهتم بتعليم الأطفال الرياضيات ونهمل تعليمهم الدراما والرقص؟ كل الأطفال يرقصون اذا ماسنحت لهم الفرصة طول الوقت.

3- التعليم يهتم بالجوانب الأكاديمية فقط.

يذكر كين روبونسون أن نظامنا التعليمي الحالي يقوم على فكرة القدرة الأكاديمية. وهناك سبب لذلك. لقد تم اختراع النظام – حول العالم لم يكن هناك نظام تعليم عام، صدقا، قبل القرن ال19-  لقد نشأت تلك النظم لتغطية احتياجات التصنيع.

 لذا فالهيكل الهرمي للتعليم النظامي يقوم على فكرتين.

 الأولى:- أن المواضيع ذات الفائدة الأكبر لمتطلبات العمل تتربع على القمة. لذا تجد أنك على الأرجح تم توجيهك في المدرسة حين كنت طفلا بعيداً عن الأمور التي كنت تحبها على أساس أنك لن تجد عملاً في ذلك المجال، لا تعزف، فلن تكون موسيقارا. لا ترسم، إنك لن تكون فناناً. نصائح حميدة – ولكنها الآن، خطأ جسيم. العالم بأسره تغمره ثورة.

والثانية:- هي القدرات الأكاديمية، والتي طغت فعلا على نظرتنا للذكاء وذلك لأن الجامعات صممت النظام على صورتها إذا تفكرتم في الأمر، فإن النظام بأسره حول العالم هو عملية طويلة الأمد لدخول الجامع. والنتيجة هي أن العديد من الموهوبين العباقرة والمبدعين يعتقدون أنهم ليسو كذلك، لأن الأمور التي كانوا متميزين فيها في المدرسة لم تكن تُقَدَّر أو حتى كانت توصَم. وأنا أعتقد أننا لا نستطيع أن نستمر على هذا النحو.

ويكمل حديثه قائلاً:- في ال30 عام المقبلة، وفقاً لليونسكو، سيتخرج على مستوى العالم أكثر من الذين تخرجوا منذ بداية التاريخ. وهي نتيجة جميع الأمور التي تحدثنا عنها التقنية والتغيرات التي أحدثتها على العمل، والسكان والانفجار الهائل في التعداد، فجأة، أصبحت الشهادات بلا قيمة. أليس هذا صحيحا؟ حين كنت طالبا، إذا كانت لديك شهادة، كانت لديك وظيفة إذا لم تكن لك وظيفة فذلك لأنك لا تريدها، ولكن الآن الشباب ذوي الشهادات غالبا ما يذهبون إلى المنزل ليكملوا اللعب، لأنك تحتاج إلى الماجستير حيث كانت الوظيفة السابقة تتطلب البكالوريوس والآن تحتاج إلى الدكتوراه للأخرى. إنها عملية تضخم أكاديمي. وهي دلالة على أن نظام التعليم بأكمله يتحرك من تحت أقدامنا. إننا نحتاج إلى إعادة التفكير في نظرتنا إلى الذكاء.

ويختم حديثه قائلاً:- ما تحتفل به TED هو هبة الخيال البشري. يجب علينا أن نتنبه الآن بأن نستخدم هذه الهبة بحكمة، وأن نتفادى بعض المواقف التي تحدثنا عنها. والطريقة الوحيدة لقيامنا بذلك هي بتنبهنا لثراء قدراتنا الإبداعية وتنبهنا لأطفالنا والأمل الذي يمثلونه. ومهمتناهي تعليمهم، ليتمكنوا من مواجهة هذا المستقبل. وبالمناسبة  فقد لا نرى نحن هذا المستقبل، ولكنهم سيرونه. ووظيفتنا هي مساعدتهم للاستفادة منه.