إن نظريات المؤامرة ليست ظاهرة جديدة، ولكن يبدو أنها ارتفعت إلى واجهة الوعي في السنوات الأخيرة. تتضمن بعض الأمثلة المثيرة للجدل لمثل هذه النظريات الاعتقاد بأن صناعة الأدوية تنشر الأمراض عن قصد أو أن اللقاحات تسبب المرض بدلاً من منعها.
في حين قد يبدو أن هذه المعتقدات نادرة أو حتى مرضية، فقد أظهرت الأبحاث أنها شائعة بشكل مدهش. وجدت إحدى الدراسات أن نصف جميع الأمريكيين يؤمنون بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل.
ما هي نظرية المؤامرة؟
يمكن تعريف نظرية المؤامرة بأنها الاعتقاد بأن هناك مجموعات تجتمع سراً لتخطيط وتنفيذ أهداف خبيثة.
ما الذي يفسر هذا الاعتقاد الشائع والمتجذر في كثير من الأحيان بأن المجموعات القوية والشريرة والسرية تتآمر لخداع الآخرين – خاصة في هذا العصر حيث لدينا المزيد من الوصول إلى المعلومات والحقائق التي قد تفضح هذه الأفكار؟ يعتقد الباحثون أن هناك عدداً من الآليات النفسية، والعديد منها ناتج عن العمليات التطورية، التي تساهم في هذه المعتقدات.
في عالم قد تشعر فيه بالعجز والعزلة، قد يكون من المثير للاعتقاد أن هناك قوى تتآمر ضدك ومصالحك. بمجرد أن تتجذر هذه المعتقدات، فإن التحيزات المعرفية والاختصارات العقلية تعززها وتقويها. العديد من العوامل نفسها التي تغذي أنواعاً أخرى من التفكير الإشكالي، مثل الاعتقاد في الخوارق، تساهم أيضاً في نظريات المؤامرة
من أجل فهم سبب إيمان الناس بهذه المؤامرات، من المهم استكشاف بعض التفسيرات النفسية والآثار المحتملة لهذه المعتقدات.
تفسيرات اعتقاد الناس في نظريات المؤامرة
يقترح الباحثون أن هناك عدداً من الأسباب المختلفة التي تجعل الناس يؤمنون بنظريات المؤامرة. تتلخص العديد من هذه التفسيرات في ثلاثة عوامل دافعة رئيسية:
- الحاجة إلى الفهم والاتساق (المعرفة)
- الحاجة للسيطرة (الوجودية)
- الحاجة إلى الانتماء أو الشعور الخاص (الاجتماعي)
أسباب معرفية
تشير التفسيرات المعرفية إلى الرغبة في ايجاد المعنى والفهم. لان العالم غالباً ما يبدو مربكاً وخطيراً وفوضوياً. في نفس الوقت، يريد الناس أن يفهموا ما يحدث وهم مدفوعون لشرح الأشياء التي تحدث. القيام بذلك يساعدهم على تكوين فهم ثابت ومستقر وواضح لكيفية عمل العالم.
العوامل التي تزيد من الاعتقاد في نظريات المؤامرة
- الحالات التي تنطوي على أحداث واسعة النطاق، حيث تبدو التفسيرات الدنيوية أو الصغيرة غير كافية.
- الحالات التي يحاول فيها الناس ايجاد تفسير لشيء غير واضح.
عندما يواجه الناس معلومات متباينة، من الطبيعي أن تبحث عن تفسيرات تربط النقاط معا. تقدم نظريات المؤامرة تفسيرات توفر هذا الترابط. يقترحون أيضاً أن الأسباب الأساسية مخفية عن الرأي العام. عندما تحدث أشياء مربكة، يمكن للبعض أن يفترضوا أن ذلك بسبب خداعهم من قبل قوى خارجية. كما ان هناك علاقة عكسية بين مستوى التعليم والميل لمعتقدات المؤامرة.
- تلعب القدرات التحليلية المنخفضة وقلة التحمل لعدم وضوح الاشياء دوراً أيضاً. ونتيجة لذلك، يلجأ الناس إلى نظريات المؤامرة لتقديم تفسيرات للأحداث التي تبدو مربكة أو مخيفة.
يمكن أن يلعب الانحياز التاكيدي أيضاً دوراً في تطوير معتقد المؤامرة. يميل الناس بشكل طبيعي إلى البحث عن معلومات تؤكد معتقداتهم الحالية.
لذلك، عندما يصادفون نظرية تدعم شيئاً يعتقدون بالفعل أنه صحيح، فمن المرجح أن يعتقدوا أن المعلومات صحيحة أيضاً.
اسباب وجودية
هناك ادلة ان الناس يلجأون لنظرية المؤامرة كوسيلة للشعور بالأمان والسيطرة عندما يشعرون بالتهديد فان ايجاد مصدر التهديد يكون وسيلتهم للتعامل مع القلق.
- وجدت الدراسات ان الاشخاص الذين يشعرون بالعجز النفسي والاجتماعي اكثر عرض للايمان بنظريات المؤامرة.
- وجدت الدراسات ايضا ان الناس يمؤمنون بنظريات المؤامرة عندما يعانون من القلق.
بينما يتفهم الباحثون الدوافع الوجودية للايمان بنظريات المؤامرة، الا ان الادلة على ان الايمان بنظريات المؤامرة كطريقة لتلبية احتياجات نفسية مثل الحاجة لتقرير المصير والاستقلالية قليلة، قد يكون الناس الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة في الواقع اقل مشاركة في الانشطة التي تعزز شعورهم بالسيطرة مثل المشاركة في التصويت والنشاط السياسي.
على الرغم من ان الناس ينجذبون لنظريات المؤامرة في الاساس كوسيلة لفهم العالم او الشعور بالتحكم في مصيرهم، الا ان التاثير طويل المدى انهم يشعرون بالضعف.
أسباب اجتماعية
يمكن تحفيز الناس أيضاً على الإيمان بالتآمر لأسباب اجتماعية. افترض بعض الباحثين أنه من خلال الاعتقاد في المؤامرات التي تحيكها الجماعات الخارجية، فإن الناس قادرون على الشعور بتحسن تجاه أنفسهم ومجموعتهم الاجتماعية . فأشولئك الذين يؤمنون بالمؤامرة يشعرون أنهم “أبطال” القصة، في حين أن أولئك الذين يتآمرون ضدهم هم “العدو”.
يؤمن الناس بالمؤامرات عندما:
- يشعرون إنهم في الجانب “الخاسر” من قضية سياسية.
- لديهم مكانة اجتماعية منخفضة بسبب الدخل أو العرق.
- المعاناة من النبذ الاجتماعي.
- إنهم متحيزون ضد الجماعات “المعادية” التي يرونها قوية.
تشير مثل هذه النتائج إلى أن معتقدات المؤامرة قد تنشأ كنوع من آلية الدفاع. عندما يشعر الناس بالدونية، يكون لديهم الحافز لإيجاد طرق لتعزيز تصوراتهم الذاتية. إن إلقاء اللوم على الآخرين من خلال ربطهم بمؤامرات خبيثة يوفر كبش فداء يقع اللوم عليه، وبالتالي تحسين طريقة نظرهم لانفسهم.
إن الإيمان بالمؤامرات متجذر أيضا في ما يُشار إليه بالنرجسية الجماعية. هذا هو الاعتقاد بأن مجموعتك الاجتماعية الخاصة هي أفضل، ولكن أقل تقديراً، من قبل الآخرين.
يجب أيضاً ملاحظة الطريقة التي يواجه بها الأشخاص هذه الأفكار ويشاركونها. من السهل تجاهل قصة تمت مشاركتها بواسطة مصدر عشوائي لا تثق به. ولكن عندما يبدو أن العديد من الأشخاص في دائرتك الاجتماعية الذين تعرفهم وتثق بهم يؤمنون بنفس القصة، فإنها تبدو وكأنها مؤامرة سخيفة وحقيقة موثوقة. مشاركة هذه الأنواع من القصص داخل شبكاتنا يعطي مصداقية اجتماعية لمثل هذا التفكير التآمري.
المخاطر
إن الاعتقاد في أشياء غير صحيحة يشكل عدداً من المخاطر، والتي يمكن أن يكون لها تأثيرات على السلوك الفردي ويكون لها في نهاية المطاف تأثير مضاعف على المجتمع ككل.
من الامثلة يعود تفشي مرض الحصبة في الولايات المتحدة إلى حد كبير إلى رفض بعض الأفراد للتطعيم – وهو رفض ينبع إلى حد كبير من الاعتقاد التآمري بأن اللقاحات تسبب التوحد وأمراض صحية أخرى.
في النهاية، عندما تواجه معلومات من مصادر مختلفة، من المهم أن تكون قادراً على التمييز بين نظريات المؤامرة الزائفة والتهديدات الحقيقية للأمن الشخصي. ليس على الدوام تكون بعض النظريات خاطئة، وليست أيضاً صحيحة في المُطلق. عليك فقط تحري الدقة في مصدر المعلومات، وأعرف أن هناك أشخاصاً قد يروجون لأخبار ونظريات غير صحيحة تماماً بدافع شخصي أو نفسي. فلا يجب الإنسياق وراء أي نظرية تستمع إليها دون التفكير بموضوعية وحيادية.
مترجم من