crossorigin="anonymous">

هيلين كيلر .. كيف يخرج النور من الحطام؟

ماذا ان كان عالمك ممتلئاً بالأصوات والمشاهد الجميلة ؟ ضوء الشمس وصوت العصافير والموسيقى والمبانى المحببة اليك. هذا العالم بالنسبة اليك كل شىء انه منبع النور والخيال داخلك. تخيل لو فجأة دخلت الى غرفة مظلمة وعرفت انك لن ترى كل تلك الأشياء او تسمعها مرة اخرى.. تخيل انك ستحبس مع الظلام والصمت باقى حياتك؟ تخيل انك لن تستطيع حتى ان تتفوه بكلمة اعتراض؟ قد حدث ولكن المعجزة احياناً تقودنا إلى مالا نتوقعه.

هيلين كيلر، اديبة ومحاضرة وناشطة امريكية، ولدت عامل 1880مولودة جميلة وتبدو فيها إمارات الذكاء والنشاط، ابرزت قدرة على التفاعل والتعلم السريع فى شهورها الاولى وحفظت فى خيالها كثير من الصور. لكن الحياة لاتسير هكذا دائماً. حين اكملت تسعة عشر شهراً اصيبت بمرض التهاب الرأس ففقدت القدرة على الرؤية والسمع، لكن القصة لم تنتهى.

عرفت مرة واحدة فقط الظلام والسكون، حياتي كانت دون ماضي أو مستقبل ، ولكن كلمة القليل من أصابع أخرى لمست يدى وملات الفراغ، وقفز قلبى مستعداً للحياة”

كانت هيلين محبوسة فى ظلامها لفترة طويلة، كانت عصبية وتعبر دائماً عن غضبها بتكسير الأشياء حولها ولم يكن لأحد القدرة على السيطرة على طاقة الغضب الكامنة داخلها، لكن قصة “لورا بردجمام” التى كانت عمياء ايضاً وحصلت على شهادة فى اللغة الانجليزية جعلت والدتها ترى املاً فى محاولة دمج هيلين بالحياة وتعليمها، وفى عام 1886 توجهت الى معهد بركينس لفاقدى البصر حيث تعلمت لورا برجمام ، وهناك تعرفت على آن سلفان المعلمة التى صاحبت هيلين طوال 49 عاماً.

“عندما يغلق باب للسعادة، يفتح آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلا الى الباب المغلق الى الدرجة التي لا نرى فيها الباب الذي فتح لنا”.

كانت الآنسة آن سلفان بمثابة عين واذن بديلتان لهيلين، فلقد بدأت معها رحلة طويلة من التعلم بطريقة جديدة، طريقة دربتها فيها على كيفية استخدام يدها للتعبير عن ماتريد، فكان أول خطوة حين تكتب الحروف على يدها وتربط الحرف بشىء معين ، فى البداية كان اكبر انجاز حققته لها انها اعطتها شارات على يدها لمعنى كلمة ماء، وبعد ان استشعرت ملمسة على يدها بدات فى التفرقة بين الأشياء الصلبة والسوائل وكان ذلك فى عام 1890.

بعدها بدأ شغف الطفلة للمزيد من التعلم، حاولت معرفة العديد من الكلمات من بعض الاشارات التى تحرك بها الانسة سلفان اصابعها على يدها وتطورت لتقرأ تلك الكلمات على شفاه الأخرين.لم يتوقف الامر عند ذلك بل بدات فى تعلم القراءة على طريقة برايل وكانت محصلتها الاولى تسعمائة كلمة ومن هنا بدأت هيلين التواصل مع العالم الخارجى.

انا مشتاقة لإنجاز مهمة كبيرة ونبيلة، ولكن مهمتي الرئيسية إنجاز المهام الصغيرة كما لو كانت كبيرة ونبيلة.

وكانت المهمة الأساسية التى جاهدت من اجلها هو تعلم النطق، وذهبت الى المعلمة (سارة فولر) التى تعمل رئيسة لمعهد (هوارس مان) للصم في بوسطن ، حيث دربتها على النطق، فى البداية كانت هيلين تضع يدها على فم المعلمة سارة فولر لتحظ اهتزاز الشفاه عند نطق كلمة معينة، وكانت تدرب كثيراً وبدأت فى التدرب على الجمل الطويلة، فى بادىء الامر كان كلامها غير مفهوماً لكن الاوقات الطويلة التى كانت تقضيها فى التدريب مكنتها اخيراً من النطق.

قررت بعدها هيلين الإلتحاق بمعهد كامبريدج للفتيات، وكانت الآنسة سلفان ترافقها الى المحاضرات وتنقل لها كل مايدور، وفى عامها الرابع والعشرين حصلت هيلين على بكالريوس العلوم من الجامعة.

“بعض الناس من الغباء ما يكفي أن نتصور أن الثروة والسلطة والشهرة تطمئن قلوبنا، ولكنها لا تفعل، ما لم يتم استخدامها لإنشاء وتوزيع السعادة في المال”.

فى الجامعة بدأت تتكون لهيلين وجهات نظر سياسية تنتمى للتيار اليسارى، وكانت ترى ان المكفوفين ينتمون الى الطبقات الفقيرة وان لابد ان يكون لهم قوانين تمنحهم الحق فى العمل وكسب الرزق.

وقد كثفت جهود كثيرة لرعاية المكفوفين، فقامت بالعديد من الجولات من خلالها استطاعت ان تجمع الاموال اللازمة لمساعدتهم. وخلال فترة الحرب العالمية الثانية قامت بالعديد من الجولات والقت محاضرات من اجل مساعدة المكفوفين الذين اصيبوا فى الحرب، وساهمت فى انشاء جامعة خاصة لتدريس المكفوفين. قامت بتأسيس منظمة هيلين كيلر الدولية، وذلك عام 1915 ميلادي، وكانت المنظمة مختصّة في الأبحاث الخاصّة بالصحة، وحاسّة البصر، والتغذية.. ساهمت في تأسيس الاتّحاد الأمريكي للحريّة المدنيّة، وذلك عام 1920

“انا لا يهمني حقا شيء في العالم، سوى الحرية في جميع اجزاء الحياة الحرية أن تنمو عقليا وروحيا، بعيدا عن التقاليد والمعايير التعسفية”.

الفت هيلين كيلير العديد من المؤلفات ، منها كتاب “قصة حياتى” وهو السيرة الذاتية لها، وكذلك الحب والسلام، اغنية الجدار الحجرى، العالم الذى اعيش فيه، الخروج من الظلام، هيلين كيلير فى اسكتلندا. وقد ترجمت كتبها الى اكثر من خمسين لغة.

نالت هيلين العديد من الجوائز والاوسمة منها شريط الفروسية لجائزة وسام الشرف الفرنسي، وجائزة إنجاز خريجي كلية راد كليف.

توفت هيلين كيلر عام 1968. بعد ان قضت حياة علمتنا فيها ان لاشىء يستطيع ان يقف امام ارادة المرء طالما كانت لديه الرغبة الحقيقة على تحقيق مايريد. وان الحياة على حد قولها ” إما مغامرة جريئة أو لا شيء.

اترك تعليق

!-- Google Tag Manager (noscript) -->
%d مدونون معجبون بهذه: