crossorigin="anonymous">

لماذا تولد السلبية عدم الكفاءة والأمراض العقلية؟

“هذه احدى مشكلات الإنسان المعاصر، لقد بني الإنسان الحضارة ليمنح نفسه الأمان، أمان من ماذا؟ يبدو أن مشكلته الرئيسية كانت الحصول على درجة معينة من الإثارة والتحدي ليتوقفوا عن التحديق في الفراغ” – كولين ويلسون

على مدى أغلب التاريخ البشري كانت الراحة رفاهية نادرة، العمل من الفجر لغروب الشمس كان مصير غالبية الرجال والنساء والأطفال، حتى بضع قرون مدت.

كتب الجيولوجي الأنجليزي سير شارلز لايل أن أمريكا كانت في العام 1840 دولة كل من فيها يعمل من الصباح للمساء، حتى الإغنياء منهم، بدون الحصول على أي اجازات.

مع حدوث الثورة الصناعية الثانية في نهاية القرن التاسع عشر والزيادة السريعة في تقسيم العمالة التي نتجت عنها، حدثت ثورة في الراحة، التطور الصناعي لم يدفع الكثير للانتقال من أماكن الزراعة للمدن الكبرى فحسب، بل إن نظام العمل المرتبط بالعمل في الصناعة ترك للناس للمرة الأولي في الحقبة الحديثة وقت فراغ لادراة انشطتهم الخاصة.

ومع مرور أكثر من مئة عام على الثورة الصناعية، وأصبحت الراحة أكثر وفرة ربما أكثر من أي فترة في تاريخ الحضارة، أصبح الشخص متوسط القدرة متحرر من الكفاح من أجل البقاء، ومع هذه الوفرة في الوقت أصبح السؤال الذي يواجه كل منا، ما الذي سنقضي فيه هذا الوقت؟ بمعني أصح كيف نستخدم هذا الوقت؟

قليلون من يجدون إجابة صحيحة لهذا السؤال، وأغلب الناس يتفرضون أن أفضل طريقة لقضاء هذا الوقت هو الراحة والإسترخاء والإستهلاك، ونتيجة لذلك يتشارك الكثيرون نمط من الحياة المملة في ممارسات سلبية كمشاهدة التلفاز والألعاب الالكترونية أو تضييع ساعات في الحديث عن أمور غير هامة مثل الحديث عن الزيارات والنزهات أو الطقس… أمور تُنسى بمجرد إنتهاء الحديث، هدفهم في الحياة لا يصبح أكثر من مليء فراغ يومهم بما كانوا يفعلونه بالأمس، يخرجوا من الحياة كما دخلوا إليها بدون إنجاز شيء ولا تحقيق أي طموح ولا إنتاج أي فكرة.. قليلون من يغيرون هذا النمط.

ربما لا يجد البعض مشكلة في قضاء الكثير من الوقت في الراحة والإسترخاء مع تسارع وتيرة الحياة المعاصرة وزيادة القلق ومشاكل الصحة النفسية، لكن كاتب القرن العشرين كولين ويلسن لم يتفق مع وجهة النظر هذه حيث يؤدي الكسل وعدم الفعالية للمزيد من مشاكل الصحة النفسية بدلا من تحسينها.

ويلسن توصل لهذا الإستنتاج مبكراً في حياته حيث يذكر في قصة حياته ” الحلم لغاية ما” أنه عانى كمراهق من نوبات الإكتئاب والتعاطف بسبب الحكمة المتضمنة في سفر الجامعة والتي تقول “كل شيء هباء” لكن ويلسون كان ذو عقل فذ فأصر على اكتشاف سبب مشاعره الكئيبة دائما، وبدأ يلاحظ أن نوبات اكتئابه كانت مسبوقة بفترات من الخمول عندما لا يملأ أيامه بمهام مثيرة وتحديات ومشاكل يحلها، اكتشف أن مزاجه يكون كئيباً ويتشوه إدراكه ويدخل في حالة من التشاؤم.

“العقل الخامل هو ورشة عمل الشيطان” الملل والخمول والركود هي بدايات المرض النفسي الذي ينتشر كفضلا بركة راكدة إذاً كان اكتشاف ويلسون للصلة بين الخمول والمرض النفسي صحيحاً، فنحن أمام الخيارات التالية، فقد الراحة بممارسة الكسل وتجاهل قدراتنا وجعل أنفسنا عرض للإكتئاب، أو أن نسعى لقضاء وقت فراغنا في الأبداع والإستكشاف والتعلم والعمل، وتحدي أنفسنا وتطوير مواهبنا، ورغم أن الخيار الأخير يتطلب المثابرة والتضحية بالمتع وقلة الراحة إلا أن النتيجة تستحق المجهود عندما تتحسن الصحة النفسية ويتحقق النمو الشخصي.

الشخص الصحي نفسياً هو من يواظب على استدعاء موارده والشخص الذي يسمح لعقله بالثبات يبدأ في المعاناه من الأضطرابات النفسية والإنعزال عن قدراته الشخصية.

لكن ماذا لو كان اكتشاف ويلسن للصلة بين الخمول والإكتئاب غير قابل للتطبيق على الجميع أو على أقلية مثل ويلسن يمتلك دافع إبداعي بشكل إستثنائي، ربما لبعض الناس الخمول لا يجلب المعاناه التي جلبها لويلسن، هل يعني هذا أن الجهد المبذول لقضاء وقت الفراغ في أنشطة مفيدة مضيعة للوقت؟

في كتابه استعادة الفخر يقدم ريتشارد تايلور حجة مقنعة على أن المعاناة للانتاج والابداع دائما تستحق الجهد لأنه كما يقول أنها تزيد من فرصة الحصول على حالة الفخر النادرة.

تايلور يعرف الفخر على انه الحب المبرر للنفس ويذكر أن كثيراً ممكن يدعون حبهم لأنفسهم، غلباً حبهم ليس فخراً وانما نرجسية، أو درع مغرور لحمايتهم من ضعف ثقتهم في أنفسهمم وكرههم لذواتهم، لتكن فخورا بحق يجب أن يحصل الإنسان على نوع من الحب المبرر لنفسه، وهو باتقان مهارة استثنائية في مجال معين يميزك عن الآخرين.

فكرة أن بعض الناس أفضل من الآخرين تسيء للذوق المعاصر، لأنه كما يشرح تايلور أن كثيرون خلطوا بين المساواة في الحقوق والمساواة في القيمة، حيث امتلاك كل شخص لحقوق طبيعية توجب أن يعامل بمساواة قانونيا لا تعني أن لكل شخص القيمة ذاتها.

الإغريق القدامى أدركوا أنه على الرغم أن معظم الناس يكرسون حياتهم للإندماج مع القطيع، فإن قليلون منهم من يطورون قدرة أو مهارة غير مألوفة أو ينتجون عملا استثنائياً أو أي سبيل لتحقيق العظمة الشحصية، بغض النظر عن تشجيع الناس لهم وارائهم.

يذكر تايلور أن هؤلاء الأفراد الأخيرين هم الأفضل وهم وحدهم من يستطيعون حب أنفسهم وعدم الإعتماد على المظاهر الزائفة.

لذلك في المرة القادمة عندما تجد الراحة والحرية لإدارة أنشطتنا بدلا من الإمساك بريموت التلفاز أَو القيام بأنشطة لا فائدة منها على الانترنت ومواقع التواصل الإجتماعي يجب أن نسأل أنفسنا هل هذه الراحة والسعادة تستحق الثمن المدفوع، لأنه حتى لو يزرع الكسل والخمول فينا بذور التشاؤم والإكتئاب فإنه يقلل من قيمتنا كبشر، بتقليل القدرة على تحقيق حب الذات والشعور بالفخر، أو كما يشرح تايلور بعض الناس ولدوا ومصيرهم أن يعيشوا حياتهم كعوام والا يعيشوا حياتهم لغاية ولكن هذا نادر نسبياً، فمعظم الناس لديهم القدرة على الإبداع والبعض يمتلكها كهبات من الله، كن كثير من الناس راضون بالمتع المؤقته واشباع الجانب الحيواني من الطبيعة الإنسانية.

في الواقع كثير من الناس يعتبرون حياتهم ناجحة إذا مروا بقدر قليل من الألم عند الانتقال من لحظة للحظة ومن يوم ليوم وبتقبل الآخرين لهم، على الرغم من أنهم يمتلكون في داخلهم ما يؤهلهم لفعل ما لم يفعله أحد من قبل، لكن الرغبة في البقاء في وضع آمن ومريح تمنعه من ذلك.

القيام بعمل مبدع وبشكل جيد، بغض النظر عن تقدير الآخرين هذا هو المعنى لكونك إنسان وهو وحده ما يبرر حب الذات والشعور بالفخر.

!-- Google Tag Manager (noscript) -->
%d مدونون معجبون بهذه: