Site icon طور نفسك

“لي كوان يو” رجل واحد صاحب رؤية ينهض بأمه

لي كوان يو

لي كوان يو

 

دائما ما كانت تجذبني قراءة تاريخ الشعوب، وكيف تمكنت أمة معينة بالنهوض ومواجهة الصعوبات المختلفة والوصول إلي أعلي المراكز بين الأمم الناجحة من خلال سواعد أبنائها وجهودهم وحبهم وإخلاصهم لوطنهم علي مر العصور والأزمان، وكيف كان كل شعب هو وقود الوطن  في طريقه نحو التقدم والازدهار والخروج من الكبوات التاريخية المختلفة.

ولكني عندما قرأت سيرة هذا الرجل العظيم شعرت أنه أمة بأكملها في جسد رجل واحد , من قبله كان لا وجود الوطن ولا قيمة له بين الدول سواء اقتصاديا أو سياسيا …لم تكن البلاد قبل هذا الرجل سوي جزيرة صغيرة للصيادين تحولت في وقت لاحق إلي مستعمرة بريطانية ما لبثت أن تخلت عنها بريطانيا في أوائل الستينات لتنضم تلك الدولة إلي الاتحاد الماليزي في عام 1963,وما لبثت ماليزيا أن تخلت عنها أيضا بعد أقل من عامين نظرا لعدم جدوي وجودها في الاتحاد وكثرة المشاكل فيها وبأغلبية الأصوات في مجلس النواب الماليزي خرجت تلك الدولة من الاتحاد الماليزي في عام 1965 لتبدأ في نفس العام قصة كفاح رجل صنع من جزيرة للصيادين ومستعمرة بريطانية مهمشة دولة من أقوي الدول أقتصاديا وعلميا وتحجز مكانها دوما بين الدول الأكثر نموا وتقدم ، إنه “لي كوان يو” مؤسس دولة “سنغافورة” الحديثة.

من مستعمرة بريطانية  لدولة مستقلة:

سنغافورة أو سنغابورة باللغة المحلية تعني بالسنسكريتية مدينة الأسد . كانت  تقع تحت الانتداب البريطاني حتي الربع الأخير من عام 1963, وقد حصلت علي حقها في الحكم الذاتي منذ عام 1959، لتدخل ضمن الاتحاد الماليزي في عام 1963وتخرج منه في عام 1965لتعلن دولة سنغافورة المستقلة المعترف بها عالميا وتبدأ معها رحلة التنمية التي قادها “لي كوان يو” كأول رئيس وزراء للبلاد منذ عام 1965 وحتي عام 1990 والتي تتكون في الأصل من عدة جزر متناثرة .

أتي “لي كوان يو” إلي حكم سنغافورة ليواجه العديد من المشاكل أبرزها القساد المالي والبطالة وأزمة السكن، كل هذا بجانب ألاصول المتعددة للشعب بين الصينية والهندية والماليزية والأندونيسية وغيرها , ليطرح الشعار الأكبر و الأهم في تاريخ سنغافورة الحديث، سنغافورة أولا , وبهذا المبدأ اسقط كل الإنتماءات الضيقة ليكون قائدا لشعب سنغافورة ذو الأصول  المتعددة  نحو الهدف الأسمي وهو نهضة البلاد.

وطن بلا مقومات للحياة:

سنغافورة كانت بلدا يفتقر إلي ابسط مقومات الحياة حين وصل ” لي كوان يو ” إلي الحكم فيها ,حيث ندرة المياه ونقص الموارد الصناعية والتجارية مقارنة بجيرانها فلجأ الزعيم الأسيوي الشاب  إلي الثروة الحقيقية وبدأ في الإعتماد علي الأنسان الذي يبني البلاد ويحقق الإنجازات, ومن هنا بدأ بإعادة صياغة المنظومة الأخلاقية للبلاد والتي كانت تعاني من الأنهيار الكلي في ذلك الحين,حتي عرفت سنافورة وقتها بوطن الغرامات حيث قام “لي كوان يو” بفرض غرامات مالية وجنائية علي كل من يخالف القانون ولم يفرق في ذلك بين أي فرد من أفراد الشعب مهما كان منصبه أو شأنه , وبذلك عمل الزعيم الشاب علي رفع قيمة الإنسان وإعلاء شأنه والذي أدرك أن قيمته تكمن ضمن العمل الجماعي وأن مصلحة الفرد حين تتعارض مع مصلحة الجماعة فلابد أن تسقط مصلحة الفرد في مقابل مصلحة الجماعة.

التعليم اولا:

في ظل أهتمام “لي كوان يو” بالعنصر البشري في سنغافورة كان لابد وان يتخذ خطوات جريئة في تحسين مستوي التعليم في البلاد فقد اتبع سياسات تعليمية ترتكز علي تعميم فرص التعليم بين ابناء الشعب , واعتماد اللغة الإنجليزية كلغة رسمية في التعليم رغم الإعتراضات التي واجهها من الأصوليين والقوميين الذين اعتبرو ذلك خنوع وانقياد نحو الغرب , ولكن نظرة “لي كوان يو” كانت أبعد من كل تلك الإعتراضات فكان يعلم أن سر تقدم بلاده يكمن في الإنفتاح علي العالم واخذ المعرفة والتجارب الناجحة منه أيا كان صاحبها أو مصدرها وهو ما دفعه أيضا لتشجيع خروج البعثات التعليمية من سنغافورة إلي جميع أنحاء العالم لطلب المعرفة والعودة إلي الوطن ليستفيد من تلك العقول المحملة بها .

ومع مرور الأعوام انتقلت سنغافورة بفضل سياسات “لي كوان يو” من دولة متخلفة تعليميا وثقافيا في مطلع الستينات إلي دولة تتصدر قوائم الدول ذات الجودة التعليمية العالية , كما أن سنغافورة الأن تعتبر من أكبر الدول الجاذبة للبعثات التعليمية نظرا لتطور مستوي التعليم بها واتباعها احدث الطرق والأساليب التعليمية المعترف بها دوليا .

“لي كوان يو” والسياسة الخارجية :

في سياسته الخارجية التزم “لي كوان يو” بسياسة عدم الانحياز بعيداً عن كل الصراعات الإقليمية والعالمية من حوله ، فقام ببناء  علاقات متوازنة مع الجميع دون استثناء مبرزاً اهتماماً بالغاً بالجانب العسكري لبلاده وتبادل الخبرات الهامة مع مختلف الأطراف وعلى نفس المستوى .

اقتصادي من الطراز الأول:

 كان اهتمام “لي كوان يو” الكبير بالاقتصاد منذ استلامه السلطة في سنغافورة وحتى مغادرتِها 1990، وهذا ما يتضح قويا  في دخل الفرد  الذي كان بقيمة  350 دولارا أميركيا عام 1965 وارتفع ليصل إلى أكثر من 25 ألف دولار عام 2011 وليرتفع مرة اخرى كاسراً حاجز الثلاثين ألفاً عام 2013، بينما كان الدخل القومي لسنغافورة التي تتألَّف من ثلاثةِ وستين جزيرة أكبرُها الجزيرة التي تحملُ اسم البلاد أكثر من 253.7 بليون دولار أميركي عام 2009، بقي أن نعلم أن دخل سنغافورة   من قطاع الزراعة يساوي صفرا بينما يصل مستوى دخلها في الصناعة إلى ما يقارب 27 بالمئة بينما تتوزَّع النسَبة الباقية على قطاع الخدمات، وهذا هو سرُّ نجاح الحكومات المتعاقبة التي رأسها “لي كوان يو”، في جعل الاقتصاد مفتوحاً أمام الجميع في سلطة مركزيّة صارمةٍ للدولة  وعدم الاستستلام للظروف وندرة الموارد الزراعية والصناعية والاعتماد علي نوع أخر من الاقتصاد وهو الاقتصاد الخدمي وهو عماد الأقتصاد السنغافوري منذ التأسيس وحتي الأن .

سنغافورة والدول العربية :

لعلك الأن وبعد استعراض لمحة بسيطة من سنغافورة الأمس وسنغافورة اليوم وقدرة هذا الرجل وحده علي إحداث كل تلك الطفرة في عدة عقود فقط، هل تعتقد ان حالنا فى الدول العربية يتناسب مع ما نتمتع به من موارد بشرية ومادية  وأن لا سبيل لتقدم باقي الدول العربية ولحاقها بركب دول العالم الأول. مثلما قامت بهتلك الدولة الأسيوية الصغيرة  لتحجز مقعدها بين تلك الدول وهذا بفضل رجل واحد صاحب رؤية وبصيرة هو “لي كوان يو”.

 

 

 

Exit mobile version