crossorigin="anonymous">

هارلاند ساندرز مؤسس دجاج كنتاكى

تعتبر قصة نجاح سلسلة مطاعم كنتاكي للوجبات السريعة واحدة من أقوي القصص الملهمة لي ولكثير من رواد الأعمال وأصحاب الطموح والرغبة في تغيير الواقع، وهذا ما دفعني اليوم لكتابة هذه المقالة التي تتحدث عن قصة  نشأة وتطور سلسلة دجاج  كنتاكي من مجرد فكرة عابرة في خاطر صاحبها إلي ماهي عليه الأن، وكيف بدأها ذلك العجوز الأمريكي ذول الشعر واللحية البيضاء  وهو في سن تجاوز  ال65 عام وكيف وصلت إلي أغلب دول العالم وتصبح أشهر سلسلة مطاعم علي مستوي العالم، وكيف إنه و  حتي وفاته في عمر ال 90 عام سنة كان لا يزال يسعي لتحقيق أهدافه وتلبية نداء شغفه دون أن يعير لسنه وصحته بالاً، كل هذه الأسباب وأكثر جعلت من بطل قصتنا واحدا من الملهمين القلائل في تاريخنا الحديث والذي أثبت أن النجاح لا يرتبط بسن ولا بإمكانيات ولكنه فقط يرتبط بالإقتناع والشغف تجاه ما نفعله ..هذه مقالة عن الكولونيل هارلاند ساندرز صاحب أشهر لحية بيضاء في التاريخ الحديث.

نشأته

ولد هارلاند ساندرز في 9 سبتمبر عام 1890 في مدينة هنريفيل، في ولاية إنديانا لأسرة فقيرة يعولها والدة الذي كان عامل منجم، والذي توفي وكان عمر هارلاند لا يتجاوز الست سنوات فقط مما أضطره إلي تحمل المسئولية مع أمه مبكرا من خلال العناية بأخوه البالغ من العمر وقتها الثلاث سنوات وأخته الرضيعة في الوقت الذي كانت فيه أمه تعمل خارج المنزل لتوفير متطلبات الحياة .

رعايته لإخوته الصغار أكسبت الطفل هارلاند العديد من المهارات لاسيما مهارة الطبخ والتي اتقن فنونها إعتمادا علي وصفات أمه، وبرع في طبخ  الدجاج المقلي في الزيت بالذات وهو لم يتجاوز بعد سن السباعة من عمره .

لم تكن الأمور في تلك الفترة سهلة علي هارلاند فاضطر بجانب العناية بإخوته أن يعمل في مزرعة مقابل أجر لا يتعدي دولارين شهريا. وبعد عامين تزوجت أمه مرة أخري ورحل هو خارج بلدته للعمل بإحدي المزارع .

في سن السادسة عشرة إنضم هارلاند لصفوف الجيش الأمريكي بكوبا ليخدم هناك لمدة ستة أشهر، وبعدها تنقل بين عدة وظائف منها ملقم فحم علي متن قطار بخاري، وقائد لعبارة نهرية، وعمل في بيع بوالص التأمين ثم إتجه لدراسة المحاماة بالمراسلة وحصل علي الدكتوراة فيها وعمل بالمحاماة لفترة ولكنه لم يلقي النجاح الذي كان ينتظره منها فإتجه إلي بيع إطارات السيارات وإدارة محطات الوقود.

خبير بالدجاج المقلي

في سن الأربعين كان ساندرز يعمل مديرا لأحدي محطات الوقود في مدينة كوربين في ولاية كنتاكي الأمريكية. وفي إحدي الليالي مر بائع متجول بالمحطة وكان يتحدث عن أن تلك المنطقة لا يوجد بها مطاعم جيدة للوجبات السريعة وهو ما أعتبره ساندرز إشارة لبدء فكرته التي تحولت فيما بعد إلي أشهر سلسلة مطاعم للوجبات السريعة حول العالم.

بدأ ساندرز في تقديم الدجاج المقلي والبسكويت  للزبائن المارين بمحطته ويجلسهم في غرفة نومه الخاصة في المحطة , ومع مرور الوقت بدأت شهرة ساندرز تتسع في المنطقة وبدأت الزبائن تتوافد علي محطته فقط لتستمتع بالدجاج المقلي الذي يقدمه ساندرز  وهذا ما ساعده للإنتقال للعمل ككبير الطهاة في فندق يقع علي الجهة الأخري من محطته ملحق به مطعم يتسع لحوالي 142 فرد.

مع مرور السن أتقن ساندرز فن طهي الدجاج المقلي وذاع صيته في الولاية كلها حتي أن حاكم الولاية أهداه لقب كولونيل وهو في سن ال45 وهو ما راق ساندرز كثيرا حتي انه كان يتعمد الظهور بملابس الكولونيل في كل المناسبات وكان دوما يفتخر بتلك التسمية. وتمكن أيضا من الوصول لتلك الخلطة السرية التي تتميز بها دجاج كنتاكي حتي الأن وهي مكونة من خلط 11 نوع من التوابل بطريقة معينة وتحتفظ كنتاكي بحق الصنع حصريا لها ولا يعرف تلك الخلطة إلا عدد قليل من الناس علي مستوي العالم.

أول كبوة ..والحل

حتي الأن كانت الأمور تسير علي ما يرام بالنسبة لساندرز ودجاجه المقلي  إلا أنه كانت هناك مشكلة وحيدة تعتبر هي نقطة ضعف في عمل ساندرز، كانت زبائنه تضطر للانتظار حوالي نصف ساعة للحصول علي طلباتهم من الوجبات حتي يتم نضج الدجاج جيدا في الزيت، وهو ما كانت تتغلب عليه المطاعم الأخري المنافسة من خلال طهي الدجاج في السمن المركز والذي يجعل الدجاج ينضج بسرعة ولا يضطر الزبائن للإنتظار فترة طويلة.

هذه المشكلة دفعت ساندرز ليختبر ويتقن فن جديد من فنون الطبخ وهو استعمال أواني الطهي بالهواء المضغوط والذي ساعده علي الحفاظ علي المذاق المميز لدجاجه. كما إنه طور تلك الطريقة حتي أصبح طهي الدجاج لا يأخذ كل ذلك الوقت الذي يستهلكه في نضج الدجاج بطريقته القديمة.

الحظ العاثر مرة أخري

بعد أن عرف ساندرز كيف يطور من أدائه ويتغلب علي مشكلة الوقت لديه ويتقن طهي الدجاج المقلي بخلطته السرية , جاء الحظ العاثر الذي لازمه طوال حياته ليفسد عليه كل شيء، فقد تم تحويل الطريق العام ولم يعد يمر بتلك البلدة التي بها مطعم ساندرز وفقد المطعم زبائنه وتدهورت الأحوال بالعجوز ذو ال65 عام وهو ما اضطره لبيع كل شيء لتسديد ديونه والعيش علي أموال التأمينات الإجتماعية  كباقي أبناء جيله , وجلس في بيته ينتظر شيكه الأول.

الشيك الأول ..الدجاجة الأولي

بعد أن وصل الشيك الأول وكان يعادل 105 دولار للكولونيل البالغ 65 عام. احس بشيء من الإهانة ،وقرر أنه ليس مستعدا بعد للتقاعد والعيش علي معونة الدولة، فقرر أن يخوض مغامرة جديدة. كان لايملك المال الذي يبدأ به مشروع جديد فقد ذهب كله في تسديد الديون، ولكنه كان يملك ماهو أقوي من المال إنه الشغف، الشغف هو المحرك الرئيسي وراء ما فعله الكولونيل ساندرز فقد قرر أن يقوم بالتجوال بحثا عن المطاعم التي تشتري منه خلطته السرية وطريقة طهيه للدجاج المقلي مقابل نسبة من كل دجاجة يتم تقديمها بطريقته الخاصة، كما إنه استطاع إقناع بعض المستثمرين في تمويل فكرته لعمل دجاج مقلي شهي وتعتبر تلك هي البداية الحقيقة لدجاج كنتاكي في عام 1952.

كان الأمر في البداية صعب ولم يستطع الكولونيل إقناع الكثير من المطاعم بفكرته فلابد وإنك إن كنت صاحب مطعم لتشعر بقليل من الإهانة لو تحدث معك شخص ما عن كون طريقة تقديمه للدجاج  هي طريقة غير شهية ويجب تطويرها , ولكن الكولونيل ساندرز صمد في سبيل بيع أفكاره وخلطته لأكبر عدد ممكن من المطاعم  وبعد مرور 12 سنة كان هناك 600 مطعم في أمريكا وكندا تبيع دجاج  كولونيل ساندرز في سنة 1964 وكان عمر الكولونيل وقتها 77 عاما.

 جني الثمار

بعد العمل الجاد في ترسيخ إسم دجاج كنتاكي في سوق الوجبات السريعة قرر كولونيل ساندرز بيع أن يبيع كل شيء لمجموعة من المستثمرين مقابل 2 مليون دولار مقابل إحتفاظه بمقعد في مجلس الإدارة وظهوره كمتحدث رسمي بإسم الشركة مقابل أجر لمدة عشر سنوات لاحقة، وكان يظهر دائما بزيه الأبيض المشهور وشعره ولحيته البيضاء التي اكسبت كنتاكي تلك الصورة الذهنية عند ملايين العملاء حول العالم , وبعدها عكف الكولونيل علي تأليف كتابه الشهير”الحياة التي عرفتها كانت شهية بدرجة تدفعك للعق الأصابع” والذي يشير  إلي الجملة الدعائية الشهيرة التي استخدمتها الشركة في أعلاناتها وقد أصدره في عام 1974.

كنتاكي بعد الكولونيل

بعد إستلام المستثمرين إدارة الشركة من الكولونيل بدأت الشركة في النوم بشكل سريع، وفي عام 1966 أصبحت كنتاكي شركة مساهمة مدرجة في البورصة، وتم بيعها في عام 1971 إلي إحدي الشركات بمبلغ 285 مليون دولار، حتي إشترتها شركة بيبسي في عام 1986 بمبلغ وصل إلي 840 مليون دولار.

شهد العام 1991 تحويل إسم الشركة من كنتاكي فرايد تشيكن إلي KFC  وذلك حتي يتم فتح المجال أمام الشركة لدخول منتجات أخري غير الدجاج المقلي .

تنتشر مطاعم كنتاكي في أكثر من 100 دولة حول العالم، قبل أن ينتزع مرض اللوكيميا الحياة من جسد الكولونيل ساندرز، كان قد قطع أكثر من 250 ألف ميل في رحلة حول العالم لزيارة كل فروع دجاج كنتاكي، وفارق الكولونيل الحياة في عام 1980 وهو في سن التسعين وقد صنع أشهر علامة تجارية في عالم الوجبات السريعة في السن الذي يتقاعد فيه كل أبناء جيله فقد بدأت قصته الحقيقية نحو المجد والشهرة وهو عجوز تجاوز ال65 من عمره ليضرب بذلك أروع مثل علي المثابرة وعدم اليأس واليقين بالحلم والشغف حتي الوصول للنجاح المرغوب.

وتبقي خلطة دجاج كنتاكي السرية واحدة من الأسرار الغير مكتشفة في عالمنا الحديث حتي الأن وذلك هو سر بقاء تلك السلسلة حتي الأن .

 

اترك تعليق

!-- Google Tag Manager (noscript) -->
%d مدونون معجبون بهذه: